فهذا آخر ما أردناه في أحد مضموني الفصل، وهو الكلام فيما يخرجه المرء عن نفسه، وشرائط الوجدان واليسار.

2235 - فأما القول في ازدحام أقوامٍ، فللأصحاب فيه خبط عظيم، ونحن لا نألوا جهداً في التهذيب أولاً، ثم نختتم الكلامَ بالتنبيه على الحقائق، التي من الذهول عنها تثور العمايات، والقول في هذا يتعلق بفصلين: أحدهما - في فطرة الرجل في نفسه، مع تقدير (?) إخراجه الفطرة عن غيره، والفاضل صاع واحد.

فلتقع البداية بذلك.

2236 - فنقول: إذا فضل عن قوت الرجل وقوت من يقوته صاع، وله زوجة، فالمذهب الأصح أنه يتعين عليه إخراج الصاع الفاضل عن نفسه؛ تأسياً بقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" (?). وذهب بعض الأصحاب إلى أنه لو أراد إخراج الفطرة عن زوجته، جاز؛ فهو بالخيار بين أن يُخرج عن نفسه، وبين أن يُخرج عنها.

وحكى العراقيون وجهاً أنه يتعيّن عليه إخراجه عن زوجته، وهذا بعيد، معدود من غلطات المذهب.

أما من خيّر، فلعله تلقَّى مذهبه من مذهب الإيثار في النفقة، لمّا رأى الفطرة متلقاةً من النفقة. وهذا ساقطٌ؛ من جهة أن الفطرة قُربة، ولا إيثار في القُرب. ولست أعرف خلافاً في أن من وجد من الماء ما يكفيه لطهارته، لم يكن له أن يؤثر به رفيقه ليتطهر به. وما تخيله الذاهب إلى التخير من أمر النفقة لا أصل له؛ فإنا لم نُتبع الفطرةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015