ولست أدري أن الغالب في الباب التحريم، حتى يقال في مظان الإشكال يستديم التحريم إلى ثبوت محلل، أم الغالبُ الإباحة حتى يثبت مُحرِّم، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "هما حرامان" يوضح أن الغالب التحريم، ثم الثَّبَت الذي نشترطه ليس قاطعاً، بل غلبة الظن كافية؛ فإنا نبيح الدمَ، والبُضع بغلبات الظنون.
1564 - ومما نذكره أن شيخي كان يقول: كما يحرم على الرجال افتراش الحرير، فكذلك يحرم على النساء؛ فإن هذا من السرف المجاوز للحد، وكان يشبّه هذا باستعمال الأواني الفضية، وظاهر كلام العراقيين دليل على أنه لا يحرم عليهن افتراش الحرير؛ فإن الفخر في ذلك قريب، وقد أجاز أبو حنيفة -فيما أظن- (?) للرجال افتراشَ الحرير، وهوَّن الأمر في ذلك.
1565 - ومما يتعلق بما نحن فيه أن الصبيان هل يجوز أن يُلبسهم القُوَّام الحرير؟ كان شيخي يتردد فيه، ويميل إلى المنع لتغليظٍ فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي بعض التصانيف القطعُ بجواز ذلك، وهو منقدحٌ على المعنى الذي نبهنا عليه؛ فإنه يليق بالأطفال، قريب من شيم النساء في الانحلال المناقض للشهامة.
1566 - وظاهر كلام الأئمة أن من لبس ثوباً ظهارته وبطانته قطن، وفي وسطه حرير منسوج، لم يحرم. وفيه نظر من طريق الاحتمال والنقل والله أعلم.
1567 - ثم مما نذكره في ذلك أن الرجل إذا فاجأه قتالٌ، فلم يجد إلا حريراً، لبسه، وهذا في حكم الضرورة، وفي الحديث ما يدل على أن نهاية الضرورة في ذلك لا تشترط؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لحمزة في لُبس الحرير لحكةٍ كانت به (?)، هكذا رواه الصيدلاني، وهذا ينبه على قُرب الأمر في ذلك.