والثاني - أنه يقيم الصلاة في وقتها، ويكل أمر الحج إلى ما يتفق؛ فإن الصلاة تِلْوُ الإيمان، ولا سبيل إلى تخلية الوقت عنها، ولا يسقط الخطاب بالصلاة مع بقاء التكليف.
وقيل: إنه يصلي صلاة الخوف ماشياً؛ ليكون جامعاً بين التسرّع إلى الحج، وبين إقامة الصلاة.
فإن قيل: كيف يتجه هذا والخوف في فوات شيءٍ كالخوف في فوات الكفار إذا انهزموا؟ وقد ذكرنا أنه لا تجوز صلاة الخوف في ركوب أقفيتهم ليدرَكوا؟ قلنا: هذا سؤال مشكل، ولولاه، لقطعنا بصلاة الخوف، ولكن الحج في حكم شيء حاصل في حق المُحْرم، والفوات طارىء عليه، فهو شبيه من هذا الوجه بمالٍ حاصل يخاف هلاكه، لو لم يهرب به.
وهذا لطيف حسنٌ؛ من جهة تحقق الحج في حق المُحرم، مع أن الوقوف عُرضة الفوات، ولم يتحقق بعدُ ملابستُه، وهذا منشأ التردد في المسألة.
فهذا تفصيل القول في الخوف.
فصل
1555 - إذا رأى سواداً فظنه عدواً، فهرب، ثم تبين أنه لم يكن عدواً وإنما كان إبلاً تسرح، أو ما أشبهها، فإذا صلى صلاة الخوف، ثم بان له حقيقةُ الحال، ففي المسألة قولان مشهوران: أحدهما -ولعله الأصح- أنه يقضي؛ فإنه ظن أمراً، ولم يكن كما ظن، وصلاة الخوف نيطت بحقيقة الأمر.
والقول الثاني - أنها لا تُقضى؛ فإن الخوف قد تحقق، وهو مناط الصلاة في نص القرآن؛ فإنه تعالى قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وهذا الذي فيه الكلام خائف قطعاً.
وهذا غير سديد؛ فإنه تعالى أراد الخوفَ في القتال القائم على تحقق، والعلم عند الله تعالى.