مادام بها حتى يفارقها إلى جهة سفره، وهذا بيّن.
وقال رضي الله عنه: لو خرج مكي إلى جُدّة ليعود منها، ويخرج من مكة إلى سفر بعيدٍ، فلا شك أنه يقصر ذاهباً إلى جُدَّة وراجعاً منها؛ فإنه على مسيرة خمسين فرسخاً، ثم يقصر بجُدةَ أيضاً إذا كان مقامه بها مُقامَ المسافرين.
ثم إذا عاد إلى مكة وهو على ألا يمكث بها، بل يرحل كما تقدم تصويره، فهل يقصر بمكة في مقام المسافرين؟ فعلى قولين للشافعي، وهما يجريان في مثال هذه الصورة، فكل من أنشأ سفراً من قُطرٍ، وربط قصده بالانتهاء إلى قطر، وكان يقع في ممره وصوبه بلدةٌ هي وطنه ومستقره، فإذا دخلها دخول عابر، وكان لا يقيم بها إلا مُقامَ منزل، فهل يقصر في تلك البلدة، وهي وطنه؟ فعلى قولين، ولعلّ أقيسَهما أنه يقصر؛ بناء على حكم قصده في سفرته هذه.
والثاني - أنه لا يقصر؛ فإنه في محل إقامته، فينافي ذلك رخصَ المسافرين في ظاهر الحال. وهذا بعيد لا يتجه في القياس؛ فإن التعويل في أحكام السفر على ملابسة السفر والقصد، والرجل مسافر مستمر على حكم قصده، ولو كان سفره ينقطع بانتهائه إلى وطنه، للزم أن يقال: إذا برز منها، آمّاً مقصده في سفره، يكون مبتدئاً سفراً، حتى لو كانت المسافة بين بلدته وبين منتهى سفره أقل من مرحلتين، لا يقصر، كما لو نوى الإقامة، ثم أنشأ سفراً [وهذا وإن كان قياس هذا القول، فما عندي أن أحداً يجترىء على التزامه، وركوبه] (?) والله أعلم.
فهذا سَوْقُ ما ذكره الصيدلاني.
1319 - وفي هذا الفصل مباحثة لا بد من تدبّرها فأقول: من خرج من وطنه مثلاً، قاصداً موضعاً، وكانت المسافة مرحلة وقد قصد أن يؤوب، ولا يقيمَ في مقصد سفره، إلا مُقامَ المسافرين، فهذا لا يقصر ذاهباً ولا جائياً، ولا في مقصد سفره، وإن كان في حكم مقصده أن يطوي مرحلة ذاهباً، ومرحلة أخرى راجعاً، وناله في ذهابه ومجيئه من المشقات ما ينال قاطعَ مرحلتين متواليتين في صوب واحد، ولكن