ولم يتهجم على الزيادة؛ فإن الرخص لا تثبت إلا بالنص. ومن قال: يزيد ما استمرت الحال، احتج بأن قال: عرفنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر منتظراً للفتح، فاتفق المقام في هذه المدة، والظاهر أنه لو تمادى انتظار الفتح، لكان يتمادى على سجيته، وهذا يقرب من القطعيات في مأخذ الكلام على الوقائع، وبمثله أثبتنا استرسال الأقيسة، ووجوه النظر في الوقائع من غير نهايةٍ؛ فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاسوا في مددٍ قياسَ من لا يقول ما يقول عن حصر.
فهذا قول الشافعي في الغزاة إذا عَرَّجوا (?) للقتال.
1275 - فأما إذا كانت الإقامة لغرض آخر من تجارة أو غيرها، وكان صاحب الواقعة يُجوّز نجازَها في مدةٍ قريبة، ويجوّز استئخارها، كما سبق تصويره، فإنه يقصر في ثلاثة أيام، وهل يقصر إلى تمام ثمانيةَ عشرَ، كما يفعله الغازي؟ فعلى قولين: أحدهما - أنه يقصر كالغازي.
والثاني - لا يقصر فيما يزيد على الثلاث؛ فإن الرخص لا يعدى بها مواضعها، وقد نُقل القصرُ ثمانيةَ عشرَ يوماً في الغزو، فهذه قاعدة النص في الموضعين.
1276 - ثم خرّج الأصحاب في الغازي قولاً من التاجر: أنه لا يقصر وراء ثلاثة أيام، وخرجوا قولاً من الغازي في التاجر: أنه يقصر أبداً، وإن زاد على ثمانيةَ عشرَ يوماً، كما ذكرنا ذلك قولاً في الغازي.
فإن قيل: ما وجه تخريج منع القصر في الزيادة على الثلاث في حق الغازي؟ وقد نُقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في هذه المدة؟ قلنا: وجهه أن هذا المخرج يدَّعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنقل من بقعة إلى بقعة، ومن قلعة إلى قلعة، ومَن سماه عاكفاً أراد به عكوفه على ذلك الشغل في تلك الناحية،