ماذا بعد:
كان المأمول بعد هذه الجهود الرائدة، وما تلاها من أعمالٍ علمية جادة، أن تنضج صناعة الفهارس، وتتضح مناهج التحقيق، وألا يخرج كتاب بغير فهارس، ولكن للأسف عم الفساد وطم، وكما قال شيخنا أبو غدة: "كُسر سياج العلم، فغدا كل متفرج على كتب الحديث محدثاً، وكل مشتم لشمَّةٍ من العلم عالماً محققاً، واندلقت الكتب الغُثاء من المطابع، واختلط الجيد بالرديء، والضار بالنافع. فإنا لله" اهـ (?).
وأخيراً نقول: مع كثرة هذا الغثاء الذي شكا منه الشيخ العلامة أبو غدة، ومع قولهم: إن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، مع كل هذا ستظل الأعمال الجادة -وهي ليست بالقليلة- علامات على الطريق.
ولقد حاولت منذ سنوات أن أصنع شيئاً لوقف هذا البلاء، وكاتبت علماء كباراً، أصحابَ رأي وقرار، واقترحت عليهم الإعداد لمؤتمر علمي ينظر في قضية التراث، تراث الأمة، ويضع الضوابط للعمل في إحيائه، ويبحث في وسائلَ قانونية وإجرائية للضرب على أيدي العابثين بالتراث؛ فإن دار نشرٍ واحدة عبثت بمئات الكتب الأمهات، وأخرجتها تحت أسماء غِلْمة لا يعرفون كيف يقرؤون صفحة واحدة فيها. مكنت هؤلاء الغِلمة من العبث بالحواشي والتعليقات والفهارس التي أضنى محققون كبار، وعلماء أعلام أنفسهم في وضعها.
أقول: حاولت ذلك منذ سنوات، ولم يتم ما أردنا؛ فإلى أن يتم ذلك ندعو الناشرين الجادين أن يعلموا أن صناعة النشر علمٌ، وأن العلم عندنا دين وعبادة، فلينظروا ماذا ينشرون وكيف ينشرون.
تنبيه:
وهناك أمر لا بدّ من التنبيه إليه، وهو أن بعض أهل العلم قرأ كلمةً للشيخ أبي غدة على غير وجهها، وحملها على غير محملها، وذلك حين قال الشيخ "وقد ترددت كثيراً