المستشرقان الكبيران (بيفان) و (كرنكو)، فهل يجرؤ أحد على وصف عمل المستشرقين بأنه آلي ميكانيكي؟

ثم أفضى هذا العبث كلُّه، إلى أمر أشدَّ نُكراً، وهو: "أن التحقيق لا يكوِّن شخصية علمية".

هكذا يقولونه بدون تقييد، أو وصف، أو استثناء، ومعنى هذا بوضوح أن دارساً مسكيناً توفَّر على موضوع مستهلك، فأكثر فيه الثرثرة، وقَمَشَ له عِلماً من هنا، وسلخ له علماً من هناك، ثم انتهى به إلى نتائج هزيلة شائهة، يَفْضُل رجلاً مثل عبد السلام هارون، الذي قضى من عمره خمسين عاماً أخرج فيها كنوزاً، وأضاء صفحاتٍ مشرقةً من تراثنا العظيم!

اللهم إنا نستدفع بك البلايا، ونسألك أن تهوّن علينا المصائب والنوائب" (?) انتهى بنصه.

وهذا كلامٌ واضح مبين يدرك من لديه أدنى درجة من تذوق الأسلوب والبلاغة أيَّ مرارة يعانيها الطناحي، وأيَّ ألمٍ يمزقه، وأي غضب يفور بداخله على هؤلاء الذين ينكرون قيمة الفهارس، ويجهلون قيمة التحقيق، وكان قد قال قبلاً: "إن التحقيق عمل من الأعمال العلمية، جيده جيد، ورديئه رديء".

علماء أعلام صناعتهم الفهارس:

لو كانت صناعة الفهارس عملاً ميكانيكاً آلياً -كما يقول ذلك الذين لا يعرفون- لما شغل بها علماء أعلام أنفسهم، ولتركوها لأتباعهم، ولما نسبوها إلى أنفسهم، ولما تمدّحوا بها.

فمن هؤلاء الأعلام الذين ارتادوا هذا الطريق، ووطؤوه العلامة أحمد زكي باشا، شيخ العروبة (1284 - 1353هـ - 1867 - 1934م) وهو أول من عُني بهذا الفن حين حقق (كتاب الأصنام) لابن الكلبي، نشرته دار الكتب المصرية 1924م، وهو كتاب لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015