ولم يحضر من ماله غيرُ المدبر، وكان سائر ماله غائباً غيبة يُحتفل بها، فلا يُقْضى بتكميل العتق في المدبر؛ فإن هذا تنجيزُ الوصية، وإضافةُ حقوق الورثة إلى مالٍ قد يحول بينهم وبينه خطر، ووضع الشرع ألا تنفذ الوصية في مقدار حتى يَسْلَمَ للورثة ضعفه، ولكن هل يحكم بأنه يُعتق من المدبر ثلثُه وينتظر في تكميل العتق حضورُ المال الغائب؟

نص الشافعي على أنه لا يعتق من المدبر شيء في الحال، واختلف أصحابنا: فمنهم من قال بظاهر النص، ووجهه أنا لو حكمنا بتنفيذ العتق في جزء فيه، لأدّى هذا إلى تحيّفٍ على الورثة؛ فإنا إذا عجلنا العتق في ثلث المدبر، ولم نطلق يد الورثة في ثلثيه، كان ذلك تعجيلاً للوصية مع تأخير حق الورثة، ولا سبيل إلى ذلك، وليس كما لو لم يخلّف إلا العبد المدبر؛ فإنا نعتق الثلث، ونرق الثلثين، ونطلق فيهما حق الورثة.

ومن أصحابنا من قال: يعتِق الثلثُ في الحال؛ فإنه لا توقف فيه، ويستحيل تأخير الوصية فيما يستيقن نفوذها فيه، وأيضاً غيبة المال ينبغي أن لا تزيد على عدم المال، ولو لم يخلف إلا المدبر، لنفذنا العتق في الثلث.

فانتظم في المسألة إذاً قول منصوص، وآخر مخرج.

12458 - ثم بنى الأصحاب على ذلك مسألة، وهي أن رجلاً لو مات عن ابنين، ولم يخلّف شيئاً من الأعيان، إلا أن له ألفَ درهم على أحد الابنين، فالذي يقتضيه قياس القسمة أن يبرأ من عليه الدين من الابنين عن نصف الدين.

وقد اختلف أصحابنا في ذلك على وجهين مبنيين على القولين اللذين ذكرناهما الآن: أحدهما - أنه لا يبرأ عن شيء مما عليه؛ فإنا لو حكمنا ببراءته عن جزء، لكان مختصاً بحقه قبل أن يتوفر على شريكه مثلُ ما برِىء عنه، وإيجاب التسوية بينهما ينافي ما ذكرناه.

ومنهم من قال: يبرأ عن حصته؛ فإنه يملك مقداراً منه، ويستحيل أن يملك على نفسه ديناً، وإن قيل: إنه لا يملك (?)، فيجب أن لا يملك شريكه عليه شيئاً، وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015