فمن قال من الأصحاب المسألة في تنجيز العتق رأى صريح اللفظ موافقاً له؛ فإن الشافعي قال: "أن فلاناً المتوفى أعتقه" وهذا صريح في التنجيز، ومن رأى حَمْلَ كلام الشافعي على الوصية حمل قولَه " أعتقه " على الوصية بالعتق، وقال: معناه أوصى بعتقه. واستدل على ذلك بأنه ذكر على الاتصال بهذه المسألة لفظَ الإعتاق، وصوّر الرجوع عنه، والرجوعُ عن الإعتاق المنجز غير ممكن من المعتِق، وقد قال: " لو شهد وارثان أنه رجع عن عتق الأول، وأعتق الآخر، [أجزتُ] (?) شهادتهما " فدل أن الحمل على الوصية أوجَه.
هذا منتهى كلام الأصحاب في ذلك، مذهباً، وتصرفاً على اللفظ، وتنزيلاً لكلام الشافعي على التنجيز أو الوصية.
فصل
قال: " ولو شهد الوارثان أنه رجع عن عتق الأول ... إلى آخره " (?).
12196 - إذا شهد أجنبيان بأنه أوصى بعتق عبده غانم، وهو ثلث ماله، وشهد وارثان بأنه وصى بعتق عبده سالم، وكل واحد من العبدين ثلث، وشهد الوارثان أنه رجع عن الوصية لغانم - قال الشافعي والأصحاب معه: جازت شهادة الوارثين في الرجوع، ونفذ العتق في العبد الذي عيّناه.
وتعليل ذلك أنهما ليسا يجران بهذه الشهادة نفعاً إلى أنفسهما في مالية، وإنما ينقلان الوصية من عين إلى عين؛ فإنه لو ثبتت الوصيتان، ولم يثبت رجوع، لكان للورثة ردهما إلى الثلث بمسلك يقتضيه الشرع، فلا تهمة إذاً، والوجه قبولُ شهادة الوارثَيْن في الرجوع عن إحدى الوصيتين. قال الشافعي: لا أنظر إلى الولاء، كأنه عرف من مذهب بعض الناس أنه لا يقبل شهادة الوارثين، إذ قد يكون لهما غرض في عين أحد العبدين، وقد يكون لهما غرض في ولاء أحدهما بأن كان كسوباً جمّاعاً، فيطمع الوارثان في حيازة ما يكتسبه إذا مات.