النصف، فالشهادة في النصف الثاني مقبولة على الابن المنكر، وإن فرّعنا على القول الثاني - وهو أن الإقرار يُلزم المقر التمامَ، فعلى هذا القول شهادته مردودة على أخيه المنكر، ولا فرق إذاً عندنا بين أن يبتدىء فيشهد وبين أن يقدم الإقرار ثم يشهد، فقبولُ الشهادة على المنكر وردُّها خارج على القولين.
فإن قال قائل: إذا قذف رجلاً، ثم شهد عليه ثلاثةٌ، فشهادته بعد القذف مردودة (?)، ولو شهد ابتداء مع ثلاثةٍ على زناه، فشهادته على الزنا مقبولة، فهلا جعلتم الشهادة ردّاً منه عن نفسه فيما كان يلزمه لو قذف ولم يشهد، وما الفرق بين تقدم القذف وبين تقدم الإقرار؟
قلنا: هذا لا حاصل له، فإنه إذا قدم القذفَ، فقد التزم الحدَّ بالقذف، فإذا رام دفع العقوبة عن نفسه، كان دافعاً بشهادته على التحقيق، فرُدَّت، وإذا شهد ابتداء، فليس هو بشهادته دافعاً عن نفسه أمراً لا محيص له عنه؛ فإنه كان لا يجب عليه أن يشهد، والإخبارُ عن الدَّين لا بد منه في التركة، وهو بشهادته يؤدي واجباً عليه، فافترق الأمران افتراقاً ظاهراً.
وقد ذكر صاحب التقريب في الإقرار بالوصية المرسلة طريقين: إحداهما - إجراء القولين على التفصيل المقدم، وقد ذكرناه. والثاني - القطعُ بأنه لا يلزم المقِرَّ إلا مقدارُ حصته قولاً وحداً. وأبو حنيفة (?) سلّم الوصية، وإن صار إلى أن المقِر بالدين يلتزم جميعَه في حصته.
فما ذكره صاحب التقريب يوافق مذهب أبي حنيفة. وهذا ليس بشيء، ولا فرق بين الوصية والدين إلا أن الوصية وضعُها الحَسْبُ من الثلث، كما فصّلنا. والدين الثابت وضعُه إخراجُه من رأس المال، وأما الفرق، فلا اتجاه له.
...