واستدل الأئمة على ذلك بما روي: " أن ركانة طلق امرأته ألبتة، وقال في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أردتُ إلا واحدة، فقال صلى الله عليه وسلم، والله ما أردتَ إلا واحدة؟ فحلف ركانة مرة أخرى " (?) فدلّ ذلك على أن اليمين التي ابتدرها قبل عرض رسول الله لم تكن معتداً بها، ولذلك استعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو قال المدعي: لا بينة لي، ولم يطلب اليمين، فإن كان ممن يجوز أن يجهل ترتيب الخصومة، فحقّ على القاضي أن يبيّن له أن حقَّه في التحليف، وذلك منوط [بخِبْرته] (?).
وإن كان المدعي ممن لا يخفى عليه ذلك، وربما عُهد ممارساً للخصومات، دَرِباً بترتيبها [عليماً] (?) بأن اليمين تعرض إذا لم تكن للمدعي بيّنة، فالقاضي ماذا يصنع؟ أيصبر حتى يطلب المدعي تحليفَ الخصم؟ أو يقول له بعد قوله لا بينة لي: ماذا تريد؟ أو يهجُم على عرض اليمين اكتفاءً بقرينة الحال، وعلماً بأن المدعي لا يحمل خصمَه إلى مجلس الحكم ولا بيّنة له إلا وهو يبغي عرضَ اليمين عليه، فعساه يقر؟
فنقول: أما الاستبداد بالعرض، فلا سبيل إليه، والكلام في أنه يسكت عن المدعي أم يقول له ماذا تريد؟ هذا مما تردد فيه الأئمة. والقول فيه [قريب] (?). وهو من فنّ الأَوْلى في الأوان. وظهر اختلافُ الأصحاب في أن المدعي إذا ادعى هل تتوقف مطالبة المدعى عليه بالجواب على طلب المدعي، وفيه خلافٌ قدمناه. والسبب فيه أن العادات لا تختلف في طلب الجواب، وهي تختلف في عرض اليمين.
ومما ذكره الأصحاب متصلاً بهذا أن قالوا: العبرة في الأيمان بعقيدة القاضي، ولا عبرة بعقيدة- الحالف وهذا فيه فضل نظر.