قال: "المسألة الثانية: الكافر مكلف بالفروع خلافا للمعتزلة, وفرق قوم بين الأمر والنهي، لنا أن الآيات الآمرة بالعادة تتناولهم، والكفر غير مانع لإمكان إزالته، وأيضا الآيات الموعدة على ترك الفروع كثيرة مثل: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6, 7] وأيضا وإنهم كلفوا بالنواهي لوجوب حد الزنا عليهم, فيكونون مكلفين بالأمر قياسا قبل الانتهاء أبدا, ممكن دون الامتثال, وأجيب بأن مجرد الفعل والترك لا يكفي فاستويا وفيه نظر، قيل: لا يصح مع الكفر ولا قضاء بعده قلنا: الفائدة تضعيف العذاب" أقول: لا خلاف أن الكفار مكلفون بالإيمان، وهل هم مكلفون بالفروع كالصلاة والزكاة؟ فيه ثلاثة مذاهب أصحها نعم، ونقله في المحصول عن أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة, وقال في البرهان: إنه ظاهر مذهب الشافعي. والثاني: لا، وهو مذهب جمهور الحنفية والإسفرائيني من الشافعية، قال في المحصول: هو أبو حامد وقال في المنتخب: هو أبو إسحاق وعزاه في المنهاج إلى المعتزلة أيضا تبعا لصاحب الحاصل, فإنه نقله عنهم في أول المسألة وفي آخرها, وهو عكس ما في المحصول، وقد وقع في بعض النسخ خلافا للحنفية، وهو من إصلاح الناس. والثالث: أنهم مكلفون بالنواهي دون الأوامر، وذكر الإمام في المحصول في أثناء الاستدلال ما يقتضي أن الخلاف في غير المرتد، ونقل القرافي1 وغيره عن الملخص للقاضي عبد الوهاب2 حكاية إجراء الخلاف فيه أيضا. قال: ومر بي في بعض الكتب التي لا أستحضرها الآن أنهم مكلفون بما عدا الجهاد، وأما الجهاد فلا؛ لامتناع قتالهم أنفسهم، ومقتضى كلام المصنف أن الخلاف إنما هو في الوجوب والتحريم فقط؛ لأنه عبر أولا بالتكليف وقال: إن الفائدة هي العقاب وما عدا الواجب والمحرم لا تكليف فيه ولا عقاب, وأما من عبر بأنهم مخاطبون فإن عبارته شاملة للأحكام الخمسة.
واعلم أن تكليف الكافر بالفروع مسألة فرعية، وإنما فرضها الأصوليون مثالا لقاعدة، وهي أن حصول الشرط الشرعي هل هو شرط في صحة التكليف أم لا؟ لا جرم أن الآمدي وابن الحاجب وغيرهما قد صرحوا هنا بالمقصود. قوله: "لنا" إن الدليل على أنهم مخاطبون مطلقا من ثلاثة أوجه الأول: أن الآيات الآمرة بالعبادة متناولة لهم كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] ونحو ذلك, والكفر لا يصلح أن يكون مانعا من دخولهم؛ لأنهم متمكنون من إزالته بالإيمان، وبهذا الطريق قلنا: المحدث مأمور بالصلاة فثبت أن المقتضي للتكليف قائم والمانع مفقود, فوجب القول بتكليفهم عملا بالمقتضي السالم