إمام الحرمين وارتضاه ابن الحاجب وغيره أن هذا من باب التكليف بالمستحيل لغيره؛ وذلك لأن الله تعالى لما أخبر عنه بأنه لا يؤمن استحال إيمانه؛ لأن خبر الله تعالى صدق قطعا, فلو آمن لوقع الخلف في خبره تعالى وهو محال, فإذا أمر بالإيمان والحالة هذه فقد أمر بما هو ممكن في نفسه وإن كان مستحيلا لغيره، كما قلنا فيمن علم الله تعالى أنه لا يؤمن, وأما استدلالهم بكونه قد صار مكلفا بأن يؤمن وبأن لا يؤمن وهو جمع بين النقيضين فجوابه من وجهين, أحدهما: أن هذا التغيير قد وقع في المحصول وصوابه أن يقول بأن يؤمن, بأن لا يؤمن بحذف الواو كما في المنتخب, فإنه مدلول الأمر بالإيمان بأنه لا يؤمن، وقد صرح به في الحاصل فقال: فيكون مكلفا بتصديق الله تعالى في أن لا يصدقه، وإذا كان كذلك فلا منافاة بينهما البتة؛ وذلك لأن التكاليف بالإيمان بأن لا يؤمن تكليف بتصديق هذا الخبر الوارد من الله تعالى وهو كونه لا يؤمن، والتكليف بتصديق الخبر ليس تكليفا بأن يجعل الخبر صدقا حتى يكون مأمورا باستمراره على الكفر بل هو محرم عليه، فكيف يسوغ أن يقال: إنه مأمور بأن لا يؤمن؟ أليس قد قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28] ؟ وإنما كلف بأن يصدق هذا المخبر وهو ممكن كما قلناه, أما تصييره صدقا فلا. الثاني ما ذكره صاحب التحصيل وهو حسن أيضا: أن الجمع بين النقيضين إنما يلزم أن لو كان مكلفا بالتصديق بجميع ما جاء به على التفصيل, ونحن لا نسلمه بل هو مأمور بالتصديق الإجمالي أي: بأن يعتقد أن كل خبره صدق، وعلم هذا فكيف يجيء التكليف بالمحال، وههنا أمران أحدهما: أن الإمام لما قرر هذا الدليل في المحصول والمنتخب قال: إنه مكلف بالجمع بين الضدين, وصاحب الحاصل جعلهما نقيضين فتابعه المصنف, والسبب في هذا أن صاحب الحاصل نظر إلى الإيمان وعدمه وهما نقيضان، وأما الإمام فإنه نظر إلى أن العدم غير مقدور عليه كما سيأتي, فلا يكون مكلفا به بل المكلف به هو كف النفس عن الإيمان والكف فعل وجودي فلا يكون نقيضا للإيمان بل ضدا له وهذا أدق نظرا وأصوب. الثاني: أن قول الإمام وأتباعه: إن الله تعالى أنزل في حق أبي لهب أنه لا يؤمن فيه نظرا لأن قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] لا يدل عليه إلا الخسران, وإن كان موجودا حال تلبسه بالكفر فقد يزول, وأما قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} [المسد: 3] فكذلك لاحتمال أن يكون صلبه بسبب كبير أنه أتاها بعد الإسلام, وقد ذكر في المحصول في هذه المسألة آية أخرى وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] الآية, وهي لا تدل أيضا على إدخال أبي لهب فيها.