رأيه كما سيأتي. هذا حاصل كلام المصنف, فأما قوله: وفسره الإمام بعد الحكم فممنوع، فإن عبارته في أول هذه المسألة ثم هذا الوقف تارة يفسر بأنه لا حكم، وهذا لا يكون وقفا بل قطعا بعدم الحكم، وتارة بأنا لا ندري هل هناك حكم أم لا؟ وإن كان هناك حكم فلا ندري أنه إباحة أو حظر، هذه عبارته وليس فيها ههنا اختيار شيء من هذه الاحتمالات التي نقلها، ثم إنه في آخر المسألة اختار تفسيره بعد العلم, فقال: وعن الأخير, أن مرادنا بالوقف أنا لا نعلم أن الحكم هو الحظر أو الإباحة، هذا لفظ الإمام في المحصول بحروفه، وذكر مثله أيضا في المنتخب ولعل الذي أوقع المصنف في هذا اللغط، هو صاحب الحاصل فإنه قال في اختصاره للمحصول: ثم التوقف مرة يفسر بأنا لا ندري الحكم ومرة بعدم الحكم وهو الحق، هذه عبارته، وأما قوله: والأولى أن يفسر بعدم العلم فعبارة غير مفهمة للمراد؛ لأنها تحتمل ثلاثة أمور؛ أحدها: أنا لا نعلم هل فيها حكم أم لا؟ الثاني: أنا نعلم أن هناك حكما ولكن لا نعلمه بعينه, الثالث: أنا نعلم أيضا أن هناك حكما ولكن نعلم تعلقه بفعل المكلف، فاحتملت العبارة أن يكون المراد إما عدم العلم به، أو بتعينه، أو بتعلقه فأما الأول فلا يصح إرادته, وأما الثالث فكذلك أيضا؛ لأنه لو احتمل توقف التعلق على البعثة لصح الاعتراض المتقدم الذي استشعره، فأجاب عنه وهو عنده باطل وحاصله أن الذي حاول إرشاد الإمام إليه قد ذكره الإمام بعينه بعبارة هي أحسن من عبارته، وأما قوله: ولا يتوقف تعلقه ... إلخ فضعيف؛ لأنه لا يلزم من تجويزه التكليف بالمحال أن يكون التعلق سابقا على البعثة؛ لأنه لو لزم من ذلك لكان يلزم أن يكون التكليف بالمحال واجبا عنده وهو باطل، بل قام الدليل على أن هذه الصورة من المحال لم تقع وهو قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: 15] الآية, ثم إن هذا من باب تكليف المحال لا من التكليف بالمحال, وستعرف الفرق بينهما في تكليف الغافل.
قال: "احتج الأولون بأنها انتفاع خالٍ عن أمارة المفسدة ومضرة المالك فتباح كالاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره، وأيضا المآكل اللذيذة خلقت لغرضنا لامتناع العبث واستغنائه وليس للإضرار اتفاقا, فهو للنفع وهو إما التلذذ، أو الاغتذاء، أو الاجتناب مع الميل أو الاستدلال، ولا يحصل إلا بالتفاؤل وأجيب عن الأول بمنع الأصل، وعليه الأوصاف والدوران ضعيف، وعن الثاني أن أفعاله لا تعلل بالغرض, وإن سلم فالحصر ممنوع, وقال الآخرون: تصرف بغير إذن المالك فيحرم كما في الشاهد، ورد بأن الشاهد يتضرر به دون الغائب". قوله: احتجت المعتزلة البصرية على إباحة الأشياء قبل ورود الشرع بوجهين، أحدهما: أن تناول الفاكهة مثلا انتفاع خالٍ عن أمارات المفسدة؛ لأن الفرض أنه كذلك، وخالٍ عن مضرة المالك لأن مالكه هو الله تعالى، وهو لا يتضرر بشيء فيكون مباحا قياسا على الاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره بغير إذنه، فإنه أبيح لكونه انتفاعا خاليا عن أمارة المفسدة ومضرة المالك، فلما وجدنا الإباحة