التكليف مما لا يطاق, وعبر بعض الشارحين وصاحب التحصيل عن هذا بأنه مأذون فيه وفيه نظر، فسيأتي في آخر هذه المسألة أن عدم المنع لا يستلزم الإذن فيه؛ لأن الإذن هو الإباحة والإباحة حكم شرعي لا يثبت إلا بالشرع والفرض عدم وروده، وأما الأفعال الاختيارية كأكل الفاكهة وغيرها فهي مباحة عند المعتزلة البصرية وبعض الفقهاء أي: من الشافعية والحنفية كما قال في المحصول والمنتخب، ومحرمة عند المعتزلة البغدادية وطائفة من الإمامية وأبي علي بن أبي هريرة1 من الشافعية، وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري2 وأبو بكر الصيرفي من الشافعية إلى أنها على الوقف، واختاره الإمام فخر الدين وأتباعه، فإن قيل: سيأتي في آخر الكتاب أن الأصل في المنافع الإباحة على الصحيح، قلنا: الخلاف هناك فيما بعد الشرع بأدلة سمعية، ولم يحرر المصنف مذهب المعتزلة، وقد حرره الآمدي في الأحكام وتبعه عليه ابن الحاجب فقال: محل هذا الخلاف عندهم في الأفعال التي لا دلالة للعقل فيها على حسن ولا قبح، فإن اقتضى ذلك انقسمت إلى الأحكام الخمسة؛ لأن ما يقضي العقل بحسنه إن لم يترجح فعله على تركه فهو المباح، وإن ترجح نظر, إن لحق تاركه الذم فهو الواجب، وإلا فهو المندوب، وما يقضي العقل بقبحه إن لحق فاعله الذم فهو الحرام، وإلا فهو المكروه. قوله: "وفسره الإمام" أي: فسر الإمام فخر الدين هذا التوقف الذي ذهب إليه الشيخ بعدم الحكم أي: لا حكم في الأفعال الاختيارية قبل الشرع، فبحث المصنف معه في هذا، فقال: الأولى أن يفسر بعد العلم بالحكم أي: لها، ولكن لا تعلمه بعينه ولا يفسر بعدم الحكم؛ لأن الحكم قديم عند الأشعري, ثابت قبل وجود الخلق، فكيف يستقيم نفيه بعد وجودهم وقبل البعثة، والضمير في قوله: عنده يعود إلى الأشعري، وفي بعض الشروح أنه عائد إلى الإمام وهو مردود؛ لأن تفسير القول راجع إلى مقتضى قاعدة قائلة لا قاعدة مفسرة، ثم إن المصنف استشعر سؤالا على هذا البحث فأجاب عنه، وتقرير السؤال يقال: تعلق الحكم بالأفعال الاختيارية حادث، فيجوز أن يكون مراد الإمام بعد الحكم قبل البعثة عدم التعلق كما تقدم مثله في أول الكتاب في قولنا: حلت المرأة بعد أن لم تكن, أن معناه: حدث تعلق الحل لا الحل نفسه، والجواب: أن التعلق لا يتوقف على البعثة أيضا عند الأشعري؛ لجواز التعلق قبل الشرع، وإن لم يعلم المكلف إذ غاية ما يلزم منه أنه تكليف بالمحال، وهو جائز على