فأما ما لا يعلمه العقل بالضرورة ولا بالنظر كصوم آخر يوم رمضان وتحريم أول يوم من شوال, فإن الشرائع مظهرة لحكمه لمعنى خفي علينا، فتلخص أن الحاكم حقيقة هو الشرع إجماعا وإنما الخلاف في أن العقل هل هو كافٍ في معرفته أم لا؟ وكلام الكتاب يوهم خلاف ذلك، وقد أحال المصنف إبطال مذهبهم على ما قرره في كتاب المصباح، فإن اللائق بذلك هو أصول الدين، وحاصل ما قاله فيه أن أفعال العباد منحصرة في الاضطرار والاتفاق, ومتى كان كذلك استحال وصفها بالحسن والقبح. بيان الانحصار أن المكلف إن لم يكن قادرا على الترك فهو الاضطراري، وإن كان قادرا على تركه فإن لم يكن صدوره عنه موقوفا على المرجح فهو الاتفاق، وإن كان موقوفا على المرجح فذلك المرجح، إن كان من الله تعالى لزم كون الفعل اضطراريا، وإن كان من العبد فإن لم يكن صدور ذلك المرجح آخر لزم أن يكون الفعل اتفاقيا وإن كان لمرجح، فإن كان من العبد لزم التسلسل، وإن كان من الله تعالى لزوم أن كونه اضطراريا فثبت أن أفعال العبد منحصرة في الاضطرار والاتفاق، وحينئذ فلا يوصف بحسن ولا قبح للإجماع منا ومنهم على أنه لا يوصف بذلك إلا الأفعال الاختيارية، وللفضلاء على هذه النكتة أسئلة كثيرة مذكورة في المبسوطات.