للدعوى كما سيأتي إيضاحه. قوله: "قيل: الجنس ... إلخ" هذا يحتمل أن يكون إبطالا للدليل السابق، ويحتمل أن يكون دليلا للغزالي، وتقرير الأول أن يقال: لا نسلم أن الناسخ لا ينافي الجواز؛ لأن كل فصل فهو علة لوجود الحصة التي فيه من الجنس كما نص عليه ابن سينا1؛ لأنه يستحيل وجود جنس مجرد عن الفصول كالحيوانية مثلا, وإليه أشار بقوله: يتقوم بالفصل أي: يوجد به، ولعله من قولهم فلأن قوام أهل بيته بكسر القاف أي: الذي يقيم شأنهم، حكاه الجوهري، إذا تقرر ذلك فالجواز جنس للواجب والمندوب والمكروه والمباح، والعلة في وجوه في الواجب، وهو فصل الواجب وهو الحرج على الترك، فإذا زال الفصل زال الجواز؛ لأن المعلوم يزول بزوال علله، وفي ذلك يقوم بعضهم:
أيا من حياتي جنس فصل وصاله ... ومن عيشتي ملزوم لازم قربه
أيوجد ملزم ولا لازم له ... محال وجنس لم يقم فصله به
فثبت أن الناسخ ينافي الجواز. التقرير الثاني: أن يقال: الدليل على أن الجواز لا يبقى، وذلك أن كل فصل فهو علة ... إلخ، ثم أجاب المصنف بوجهين, أحدهما وإليه أشار بقوله: "قلنا: لا" أي: لا نسلم ما قاله ابن سينا من أن الفصل علة للجنس فقد خالفه الإمام وقال: إنهما معلولان لعلة واحدة، وتقرير ذلك مذكور في الكتب الحكمية ويحتمل أن يكون المراد أنا لا نسلم أن هذا الفصل الخاص وهو الحرج على الترك, علة لهذا الجنس الخاص، وهو الجواز لأنهما حكمان شرعيان، والأحكام القديمة فلا يكون أحدهما علة للآخر، الثاني: سلمنا أنه علة له, لكن لا نسلم أنه لا يلزم من ارتفاع هذا الفصل ارتفاع الجنس؛ لأن الجواز له قيدان أحدهما: الحرج على الترك, والثاني: عدم الحرج، فإذا زال الأول خلفه الثاني، وهذا الثاني استفدناه من الناسخ؛ لأنه أثبت رفع الحرج عن الترك، فالماهية الحاصلة بعد النسخ مركبة من قيدين أحدهما: زوال الحرج عن الفعل وهو مستفاد من الأمر، والثاني: زوال الحرج عن الترك وهو مستفاد من الناسخ، وهذه الماهية هي المندوب أو المباح، هكذا ذكره في المحصول وهو معنى ما قاله المصنف، واستفدنا من كلامه أنه إذا نسخ الوجوب بقي إما الإباحة أو الندب من الأمر وناسخه لا من الأمر فقط، فينبغي أن تكون الدعوى بهذه الصيغة، وهذا الكلام هو الذي سبق الوعيد بذكره. قال صاحب الحاصل: وفي هذه المسألة بحث دقيق ولعله يشير إلى شيء من هذا أو إلى مقالة ابن سينا السابقة