قال: "المسألة السادسة: إذا نسخ الوجوب بقي الجواز خلافا للغزالي؛ لأن الدال على الوجوب يتضمن الجواز والناسخ لا ينافيه, فإنه يرتفع الوجوب بارتفاع المنع من الترك قيل: الجنس يتقوم بالفصل فيرتفع بارتفاعه قلنا: لا وإن سلم فتقوم بفصل عدم الحرج" أقول: إذا أوجب الشارع شيئا ثم نسخ وجوبه فيجوز الإقدام عليه عملا بالبراءة الأصلية كما أشار إليه في المحصول في آخر هذه المسألة، وصرح به غيره، ولكن الدليل على الإيجاب قد كان أيضا دالا على الجواز كما سيأتي تقريره، فدلالته على الجواز هل هي باقية أم زالت بزوال الوجوب؟ هذا محل الخلاف، فقال الغزالي: إنها لا تبقى بل يرجع الأمر إلى ما كان قبل الوجوب من البراءة الأصلية أو الإباحة أو التحريم، وصار الوجوب بالنسخ كأن لم يكن, هكذا جزم في المستصفى، وقال الإمام وأتباعه والجمهور: إنها باقية ومراد هؤلاء بالجواز هو التخيير بين الفعل والترك كما سيأتي، وقد صرح به المصنف في آخر المسألة وهو الذي صرح الغزالي أيضا بعدم بقائه، وعلى هذا فيكون الخلاف بينهما معنويا على خلاف ما ادعاه ابن التلمساني، وصورة المسألة أن يقول الشارع: نسخت الوجوب أو حرمة الترك أو رفعت ذلك، فأما إذ نسخ الوجوب بالتحريم، أو قال: رفعت جميع ما دل عليه الأمر السابق من جواز الفعل ومنع الترك, فيثبت التحريم قطعا. قوله: "لأن الدال" أي الدليل على بقاء الجواز أن الجواز جزء من ماهية الوجوب لا الوجوب مركب من جواز الفعل مع المنع من الترك، وإن شئت قلت: من رفع الحرج عن الفعل مع إثبات الحرج على الترك, واللفظ الدال على الوجوب دال على الجواز بالتضمن، والناسخ للوجوب لا ينافي الجواز، فإن الوجوب يرتفع بارتفاع المنع من الترك إذ المركب يرتفع بارتفاع جزئه، وإذا تقرر أنه لا ينافيه فتبقى دلالته عليه، ولك أن تقول: الدليل الرافع للمنع من الترك إن لم يرفع أيضا الجواز فلا يكون ذلك نسخا بل تخصيصا؛ لأنه إخراج لبعض ما دل عليه اللفظ وهو غير المدعى, وإن رفعه فلا كلام أيضا فالمدعى بقاؤه هو الجواز بمعنى التخيير، والذي في ضمن الوجوب هو الجواز بمعنى رفع الحرج عن الفعل، ولا يتم المدعى إلا بزيادة أخرى تأتي في الجواب عن اعتراض الغزالي, ومع ذلك أيضا فليس مطابقا