المسألة الثالثة:

قال: "المسألة الثالثة: الوجوب إما أن يتناول كل واحد كالصلوات الخمس، أو واحدا معينا كالتهجد، ويسمى فرض عين، أو غير معين كالجهاد، ويسمى فرض كفاية، فإن ظن كل طائفة أن غيره فعل سقط عن الكل، وإن ظن أنه لم يفعل وجب" أقول: هذا تقسيم آخر للوجوب باعتبار من يجب عليه, وحاصله: أن الوجوب ينقسم إلى فرض عيني وفرض كفاية, ففرض العين قد يتناول كل واحد من المكلفين كالصوم والصلاة واقتصر الإمام وأتباعه عليه, وقد يتناول واحدا معينا كالتهجد والضحى والأضحى وغيرها من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأصح وهو الذي نص عليه الشافعي أن وجوب التهجد نسخ في حقه، وأما فرض الكفاية فهو الذي يتناول بعضا غير معين كالجهاد، وسمي بذلك لأن فعل البعض كافٍ في تحصيل المقصود منه، والخروج عن عهدته بخلاف الأولى, فإنه لا بد من فعل كل عين أي: ذات؛ فلذلك سمي فرض عين وهذا التقسيم أيضا يأتي في السنة، وقد أهمله المصنف فسنة العين كصلاة الضحى وشبهها، وسنة الكفاية كتشميت العاطس والأضحية في حق أهل البيت. قوله: "فإن ظن" يعني: أن التكليف بفرض الكفاية دائر مع الظن، فإن ظن كل طائفة أن غيره فعل سقط الوجوب عن الجميع، وإن ظن كل طائفة أن غيره لم يفعله وجب عليهم الإتيان به ويأثمون بتركه، وإن ظنت طائفة قيام غيرها به وظنت أخرى عكسه، سقط عن الأولى ووجب على الثانية، ولك أن تقول: هذا يشكل بالاجتهاد فإنه من فروض الكفاية, ولا إثم في تركه, وإلا لزم تأثيم أهل الدنيا, فإن قيل: إنما انتفى الإثم لعدم القدرة قلنا: فيلزم أن لا يكون فرضا.

"فائدة": جزم المصنف بأن فرض الكفاية يتعلق بطائفة غير معينة, والمسألة فيها مذهبان: أحدهما هذا وهو مقتضى كلام الإمام في المحصول, والثاني وهو الصحيح عند ابن الحاجب، واقتضاء كلام الآمدي: أنه يتعلق بالجميع ولكن يسقط بفعل البعض، وهذا هو مقتضى كلام المصنف في آخر المسألة؛ لأنه صرح بالسقوط, فقال: سقط عن الكل وسقوطه عن الكل يتوقف على تكليفهم به، احتج الأول بأنه لو تعلق بالكل لما سقط إلا بفعل الكل، واحتج الثاني بتأثيم الكل عند الترك إجماعا ولو تعلق بالبعض لما أتم الكل, وأجابوا عن احتجاج الأول بأنا إنما أسقطناه بفعل البعض لحصول المقصود، فإن بقاء طلب غسل الميت وتكفينه مثلا عند القيام به من طائفة أخرى أمر بتحصيل الحاصل وهو محال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015