قال: "الباب الثالث: في ترجيح الأخبار, وهو على وجوه، الأول: بحال الراوي فيرجح بكثرة الرواة، وقلة الوسائط، وفقه الراوي, وعلمه بالعربية وأفضليته، وحسن اعتقاده، وكونه صاحب الواقعة، وجليس المحدثين، ومختبرا، ثم معدلا بالعمل على روايته، وبكثرة المزكين وبحثهم وعلمهم، وحفظهم وزيادة ضبطهم، وله لألفاظه -عليه السلام- ودوام عقله وشهرته، وشهرة نسبه وعدم التباس اسمه وتأخر إسلامه". أقول: لما فرغ المصنف من الأحكام الكلية للتراجيح، شرع في ذكر الأسباب المرجحة, فعقد لها بابين، بابا في ترجيح الأخبار، وبابا في ترجيح الأقيسة، فأما الأخبار فيرجح بعضها على بعض بسبعة أوجه، الأول: ما يتعلق بحال الراوي وهو عشرون حالا، والحال الأول: كثرة الرواة فيرجح بها عند الإمام والآمدي وأتباعهما؛ لأن احتمال الغلط والكذب على الأكثر أبعد من احتمالهما على الأقل, فيكون الظن الحاصل من الخبر الذي رووه أكثر من الخبر الآخر, والعمل بالأقوى واجب. وقال الكرخي: لا أثر للكثرة في الرواة، كما لا أثر لها في الشهادة, الثاني: قلة الوسائط وهو علو الإسناد، فإذا كان أحد الحديثين المتعارضين أقل وسائط كان مقدما على الآخر؛ لأن احتمال الغلط والكذب فيه أقل، الثالث: فقه الراوي, فالخبر الذي يكون راويه فقيها مقدم على ما ليس كذلك مطلقا، خلافا لمن خص ذلك بالخبرين المرويين بالمعنى، قال في المحصول: والحق الأول؛ لأن الفقيه يميز بين ما يجوز وبين ما لا يجوز، فإذا حضر المجلس وسمع ما لا يجوز أن يحمل على ظاهره بحث عنه؛ وسأل عن مقدماته وسبب نزوله، فيطلع على ما يزول به الإشكال بخلاف العامي، الرابع: علم الراوي بالعربية, فالخبر الذي يكون راويه عالما بالعربية راجح على خلافه، لما ذكرناه في الفقه، الخامس: الأفضلية أي: في العربية أو في الفقه كما قاله الإمام، فالخبر الذي يكون راويه أفقه أو أنحى مقدم على الآخر؛ لأن الوثوق بقول الأعلم أتم، السادس: حسن اعتقاد الراوي, فالخبر الذي يكون راويه سنيا مقدم على ما رواه المعتزلي والرافضي وغيرهما من المبتدعة, السابع: كون الراوي صاحب الواقعة؛ لأنه أعرف بالقضية كترجيح الصحابة خبر عائشة في التقاء الختانين على خبر ابن عباس، وهو