عن العام أم لا, على خلاف فيه مذكور في موضعه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخاص مظنونا والعام مقطوعا به أم لا، كما قال في المحصول؛ لأن التخصيص المعلوم بالمظنون جائز على الصحيح، وهذه الصورة لا تؤخذ من كلام المصنف في هذه المسألة؛ لأن كلامه هذا وإن اقتضى إدخالها، فكلامه في القسم الذي قبله يقتضي إخراجها، لكنها تؤخذ من كلامه في التخصيص, ولعل المصنف أهملها لذلك، نعم إن عملنا بالعام المقطوع به ثم ورد الخاص بعد ذلك فلا نأخذ به إذا كان مظنونا؛ لأن الأخذ به في هذه المسألة نسخ لا تخصيص كما سبق غير مرة، ونسخ المقطوع بالمظنون لا يجوز.
والحال الثالث: أن يكون العموم والخصوص بينهما من وجه دون وجه، فحينئذ يطلب الترجيح بينهما من جهة أخرى ليعمل بالراجح؛ لأن الخصوص يقتضي الرجحان كما تقدم، وقد ثبت ههنا لكل واحد منها خصوص من وجه بالنسبة إلى الآخر, فيكون لكل منهما رجحان على الآخر، ومثاله قوله -عليه الصلاة والسلام: "من نام عن صلاة أو نسيها, فليصلها إذا ذكرها" 1 فإن بينه وبين نهيه -عليه الصلاة والسلام- عن الصلوات في الأوقات المكروهة عموما وخصوصا من وجه، لأن الخبر الأول عام في الأوقات, خاص ببعض الصلوات وهي القضاء, والثاني عام في الصلاة, مخصوص ببعض الأوقات وهو وقت الكراهية، فيصار إلى الترجيح كما قلناه, ولا فرق في ذلك بين أن يكونا قطعيين أو ظنيين, لكن في الظنيين يمكن الترجيح بقوة الإسناد، وبالحكم ككون أحدهما للخطر مثلا أن يأتي على ما سيأتي، وأما في القطعيين فلا يمكن الترجيح بقوة الإسناد كما نبه عليه في المحصول, بل يرجح بالحكم كالتحريم مثلا؛ لأن الحكم بذلك يعني بالتقديم بهذا الوجه طريقة الاجتهاد, وليس في ترجيح أحدهما على الآخر بالاجتهاد اطراح الآخر. قال بخلاف ما إذا تعارضا من كل وجه, ومراده بالتعارض من كل وجه، ما إذا علمنا أنهما تقارنا, فإنه لا يجوز أن يرجح أحدهما على الآخر أصلا كما تقدم ذكره، وحيث قلنا بالترجيح فلم يترجح أحدهما على الآخر فالحكم التخيير كما قاله في المحصول, وقد جزم المصنف أيضا بذلك في الأقسام السابقة. واستفدنا من كلامه هنا أن الصحيح عنده في تعادل الأمارتين إنما هو التخيير, فإنه لم يصحح هناك شيئا. قال: "مسألة: قد يرجح بكثرة الأدلة؛ لأن الظنين أقوى، قيل: يقدم الخبر على الأقيسة، قلنا: إن اتحد أصلها فمتحدة، وإلا فممنوع". أقول: مذهب الشافعي كما قاله الإمام وغيره، أنه يجوز الترجيح بكثرة الأدلة؛ لأن كل واحد من الدليلين يفيد ظنا، وإلا لم يكن دليلا، والظن الحاصل من أحدهما غير الظن الحاصل من الآخر؛ لاستحالة اجتماع المؤثرين على أثر واحد، ولا شك أن الظنين أقوى من الظن