الآخر ويعلم أيضا بعينه فحينئذ يكون ناسخا للمتقدم، سواء كانا معلومين أو مظنونين، وسواء كانا من الكتاب والسنة، أو أحدهما من الكتاب والآخر من السنة، إلا أن من يقول: إن الكتاب لا يكون ناسخا للسنة وبالعكس فإنه يمنع ورود هذا القسم. قال في المحصول: وإنما يكون الأول منسوخا إذا كان مدلوله قابلا للنسخ، فإن لم يكن أي كصفات الله تعالى كما قاله النقسواني, فإنهما يتساقطان ويجب الرجوع إلى دليل آخر, ولو كان الدليلان خاصين فحكمهما حكم المتساويين في القوة والعموم، وسوء كانا قطعيين أو ظنيين, ولعل المصنف إنما لم يذكر ذلك لوضوحه. الثاني: أن يجهل المتأخر منهما فلم يعلم عينه فينظر، فإن كانا معلومين فيتساقطان، ويجب الرجوع إلى غيرهما؛ لأن كلا منهما يحتمل أن يكون هو المنسوخ -احتمالان على السواء- وإن كانا مظنونين وجب الرجوع إلى الترجيح فيعمل بالأقوى، فإن تساويا يخير المجتهد. هكذا صرح به في المحصول1، وإليه أشار المصنف بقوله: وإن جهل فالتساقط أو الترجيح, يعني: فالتساقط إن كانا معلومين أو الترجيح إن كانا مظنونين. وقد قرره الشارحون على غير هذا الوجه، وهو غير مطابق لما في المحصول. الحال الثالث: أن يعلم تقاربهما ولم يذكره المصنف، وقد ذكره في المحصول فقال: إن كانا معلومين وأمكن التخيير فيهما تعين القول به, فإنه إذا تعذر الجمع لم يبق إلا التخيير. قال: ولا يجوز أن يرجح أحدهما على الآخر بقوة الإسناد؛ لما عرف أن المعلوم لا يقبل الترجيح ولا أن يرجح أيضا بما يرجع إلى الحكم لكون أحدهما للحظر مثلا؛ لأنه يقتضي طرح المعلوم بالكلية، وإن كانا مظنونين وجب الرجوع إلى الترجيح، فيعمل بالأقوى، فإن تساويا فالتخيير. قوله: "وإن كان أحدهما قطعيا" شرع يتكلم في القسم الثاني، وهو أن لا يتساويا في القوة والعموم، فحينئذ إما أن لا يتساويا في القوة بأن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا، وإما أن لا يتساويا في العموم بأن يكون أحدهما أخص من الآخر مطلقا، أو أخص منه من وجه، فتلخص أن هذا القسم أيضا ثلاثة أحوال، والأعم مطلقا هو الذي يوجد مع كل أفراد الآخر وبدونه، كالحيوان والناطق، وكذا كل جنس مع نوعه، وكل لازم مع ملزومه كالزوجية مع العشرة، ومقابله هو الأخص مطلقا، وأما الأخص من وجه والأعم من وجه, فهما اللذان يجتمعان في صورة وينفرد كل منهما عن الآخر في صورة، كالحيوان والأبيض. الحال الأول: أن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا، فحينئذ يرجح القطعي ويعمل به سواء كانا عامين أو خاصين، أو كان المقطوع به خاصا والمظنون عاما، فإن كان بالعكس قدم الظني كما سيأتي في القسم الذي بعده. الحال الثاني: أن يكون أحدهما أخص من الآخر مطلقا فحينئذ يرجح الخاص على العام ويعمل به جمعا بين الدليلين سواء علم تأخره