اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضتها، وذكر الآمدي نحوه أيضا، وفيه نظر؛ فإن هذا حد للرجحان أو الترجيح، لا للترجيح من أفعال الشخص بخلاف الاقتران، ثم استدل المصنف على اعتبار الترجيح ووجوب العمل بالراجح بإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على ذلك, فإنهم رجحوا خبر عائشة في التقاء الختانين، وهو قولها: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل, فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا، على خبر أبي هريرة وهو قوله -عليه الصلاة والسلام: "إنما الماء من الماء" وذلك لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصا عائشة أعلم بفعله في هذه الأمور من الرجال الأجانب، وذهب قوم كما قاله في المحصول1 إلى إنكار الترجيح في الأدلة قياسا على البينات، وقالوا عند التعارض: يلزم التخيير أو الوقف. قوله: "مسألة: لا ترجيح في القطعيات" يعني: أن الترجيح يختص بالدلائل الظنية ولا يقع في القطعيات، سواء كانت عقلية أو نقلية؛ لأن الترجيح متوقف على وقوع التعارض فيها، ووقوعه فيها محال؛ لأنه لو وقع لكان يلزم منه اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما؛ وذلك لأنه لا جائز أن يعمل بأحدهما دون الآخر، لأنه تحكم, فتعين إما إثبات مقتضاهما وهو جمع بين النقيضين، أو رفع مقتضاهما وهو رفع النقيضين، وكلاهما محال وهذا ضعيف، فلقائل أن يقول: نعمل بأحدهما ولكن لمرجح وهو المدعى، ولم يستدل الإمام به، بل استدل بأن الترجيح تقوية، فلا يتأتى في القطعيات؛ لأنها تفيد العلم، والعلوم لا تتفاوت، وهذه الدعوى أيضا سبق منعها. ولو استدلوا بأنه يلزم منه اجتماع النقيضين ويقتصرون عليها لكان أظهر. واعلم أن إطلاق هذه المسألة وهو عدم الترجيح في القطعيات فيه نظر، لما ستعرفه في تعارض النصين، وسكت المصنف هنا عن التعارض بين القطعي والظني, وهو ممتنع لكون القطعي مقدما دائما. قال: "مسألة: إذا تعارض نصان فالعمل بهما من وجه أولى، بأن يتبعض الحكم فيثبت البعض، أو يتعدد فيثبت بعضها، أو يعم فيوزع، كقوله عليه السلام: "ألا أخبركم بخير الشهود؟ " فقيل: نعم: فقال: "أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد" 2 وقوله: "ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد" فيجعل الأول على حق الله تعالى، والثاني على حقنا". أقول: وجه مناسبة هذه المسألة للكلام على الترجيح من حيث كونها معقودة لبيان شرط الترجيح كما ستعرفه, أو لأنا إذا أعملنا الدليلين من وجه، فقد رجحنا كلا منهما على الآخر من ذلك الوجه الذي أعمل فيه. وحاصل المسألة أنه إذا تعارض فإنما ترجيح أحدهما على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل واحد منهما، فإن أمكن ولو من وجه دون وجه فلا يصار إلى الترجيح؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية؛ لكون الأصل في الدليل هو الإعمال