المصالح في جنس الأحكام كما مر في القياس، واعتبار جنس المصالح يوجب ظن اعتبار هذه المصلحة لكونها فردا من أفرادها. الثاني: أن من تتبع أحوال الصحابة -رضي الله عنهم- قطع بأنهم كانوا يقنعون في الوقائع بمجرد المصالح، ولا يبحثون عن أمر آخر، فكان ذلك إجماعا منهم على قبولها، والمصنف قد تبع الإمام في عدم الجواب على هذين الدليلين، وقد يجاب عن الأول بأنه لو وجب اعتبار المصالح المرسلة لاشتراكها للمصالح المعتبرة في كونها مصالح لوجب إلغاؤها أيضا، لاشتراكها مع المصالح الملغاة في ذلك، فيلزم اعتبارها وإلغاؤها وهو محال، وعن الثاني أنا لا نسلم بإجماع الصحابة عليه بل إنما اعتبروا من المصالح ما اطلعوا على اعتبار الشارع لنوعه أو جنسه القريب ولم يصرح الإمام مختاره في المسألة. قال: "السادس: فقد الدليل بعد التفحص البليغ يغلب ظن عدمه وعدمه يستلزم عدم الحكم لامتناع تكليف الغافل". أقول: الدليل السادس من الأدلة المقبولة عند المصنف: الاستدلال على عدم الحكم بعدم ما يدل عليه, وتقريره أن يقال: فقدان الدليل بعد التفحص البليغ يغلب ظن عدمه يعني: عدم الدليل وظن عدمه يوجب ظن عدم الحكم, أما المقدمة الأولى فواضحة، وأما الثاني فلأن عدم الدليل يستلزم عدم الحكم إذ لو ثبت حكم شرعي ولم يكن عليه دليل لكان يلزم منه تكليف الغافل وهو ممتنع، فينتج فقدان الدليل بعد التفحص البليغ يوجب ظن عدم الحكم، والعمل بالظن واجب، والمراد بعدم الحكم هنا عدم تعلقه، لا عدم ذاته. فإن الأحكام قديمة عنده، وهذه الطريقة التي قررها المصنف نقلها في المحصول عند بعض القفهاء، ولم يصرح بموافقته.