قاله في المحصول؛ فلذلك أطلق المصنف هذا الشرط. وفي القسم الثاني منه نظر؛ لأنه يقتضي امتناع اجتماع الدليلين وليس كذلك. قوله: "قيل: يجب الأكثر" أي: اعترض بعضهم على الشافعي في أخذه بالأقل فقال: ينبغي إيجاب الأكثر ليتيقن المكلف الخلاص عما وجب عليه، وأجاب المصنف بأنه إنما يجب ذلك حيث تيقنا شغل الذمة به، والزائد على الأقل لم يتيقن فيه؛ ذلك لأنه لم يثبت عليه دليل. قال: "الخامس: المناسب المرسل إن كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية, كتترس الكفار الصائلين بأسارى المسلمين, اعتبر وإلا فلا. وأما مالك فقد اعتبره مطلقا؛ لأن اعتبار جنس المصالح يوجب ظن اعتباره، ولأن الصحابة -رضي الله عنهم- قنعوا بمعرفة المصالح".
أقول: سبق في الباب الثاني من كتاب القياس أن المناسب قد يعتبره الشارع وقد يلغيه وقد لا يعلم حاله, وهذا الثالث هو المسمى بالمصالح المرسلة، ويعبر عنه بالمناسب المرسل، وسبق هناك حكم القسمين الأولين، وأما الثالث فسبق تعريفه دون تفصيل حكمه، وفيه ثلاثة مذاهب، أحدها: أنه غير معتبر مطلقا، قال ابن الحاجب: وهو المختار، وقال الآمدي: إنه الحق الذي اتفق عليه الفقهاء، والثاني: أنه حجة مطلقا وهو مشهور عن مالك، واختاره إمام الحرمين، وقال ابن الحاجب: وقد نقل أيضا عن المعتبرة، والثالث وهو رأي الغزالي، واختاره المصنف: أنه إن كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية اعتبرت وإلا فلا، فالضرورية هي التي تكون من إحدى الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب، وأما القطعية فهي التي يجزم بحصول المصلحة فيها، والكلية هي التي تكون موجبة لفائدة بأننا لو امتنعنا عن التترس لصدمونا، واستولوا على ديارنا وقتلوا المسلمين كافة حتى التترس، ولو رمينا التترس لقتلنا مسلما من غير ذنب صدر منه، فإن قتل التترس والحالة هذه مصلحة مرسلة؛ لكونه لم يعهد في الشرع جواز قتل مسلم بلا ذنب، ولم يقم أيضا دليل على عدم جواز قتله عند اشتماله على مصلحة عامة للمسلمين، لكنها مصلحة ضرورية قطعية كلية؛ فلذلك يصح اعتباره أي: يجوز أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى أن يقول: هذا الأسير مقتول بكل حال، فحفظ كل المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع من حفظ مسلم واحد، فإن لم تكن المصلحة ضرورية بل كانت من المصلحيات أو التتمات فلا اعتبار بها، كما إذا تترس الكفار في قلعة بمسلم فإنه لا يحل رميه إذ لا ضرورة فيه، فإن حفظ ديننا غير متوقف على استيلائنا على تلك القاعدة، وكذلك إن لم تكن قطعية كما إذا لم تقطع بتسليط الكفار علينا عند عدم رمي الترس، أو لم تكن كلية كما لو أشرفت السفينة على الغرق، وقطعنا بنجاة الذين فيها لو رمينا واحدا منهم بالبحر، فإنه لا يجوز الرمي لأن نجاة أهل السفينة ليست مصلحة كلية، وكذلك لا يجوز لجماعة وقعوا في مخمصة أكل واحد منهم بالقرعة لكون المصلحة جزئية. قوله: "لأن اعتبار" أي: احتج مالك بوجهين, أحدهما: أن الشارع اعتبر جنس