لم يتوقف على استمرارها لجاز تغيرها فلا تكون المعجزة خارقة للعادة, واستمرار العادة متوقف على أن الأصل بقاء ما كان على ما كان فإنه لا معنى للعادة إلا أن تكرر وقوع الشيء على وجه مخصوص يقتضي اعتقاد أنه لو وقع لم يقع إلا على ذلك الوجه, فلو كان اعتقاد وقوعه على الوجه المخصوص يساوي اعتقاد وقوعه على خلاف ذلك الوجه لم تكن المعجزة خارجة للعادة. الثاني: أن لا تثبت الأحكام الثابتة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنسبة إلينا لجواز النسخ, فإنه إذا لم يحصل الظن من الاستصحاب يكون بقاؤها مساويا لجواز نسخها وحينئذ فلا يمكن الجزم بثبوتها وإلا يلزم الترجيح من غير مرجح. الثالث: أن يكون الشك في الطلاق كالشك في النكاح؛ لتساويهما في عدم حصول الظن بما مضى, وحينئذ فيلزم أن يباح الوطء فيهما أو يحرم فيهما وهو باطل اتفاقا, بل يباح للشك في الطلاق دون الشك في النكاح. الدليل الثاني: أن بقاء الباقي راجح على عدمه, وإذا كان راجحا وجب العمل به اتفاقا وهو المدعى، ووجه رجحانه من وجهين, أحدهما: أن الباقي يستغني عن السبب والشرط الجديدين؛ لأن الاحتياج إليهما إنما هو لأجل الوجود، والوجود قد حصل لهذا الباقي، فلا يحتاج حينئذ إليهما, وإلا يلزم تحصيل الحاصل، بل يكفيه دوامها بخلاف الأمر الذي يحدث، فإنه لا بد له من سبب وشرط جديدين فيكون عدم الباقي كذلك؛ لأنه من الأمور الحادثة، وما لا يفتقر أرجح من المفتقر، فيكون البقاء أرجح من العدم وهو المدعى، وإنما قيد السبب والشرط بكونهما جديدين؛ لأن الباقي يحتاج في استمرار وجوده إلى دوام سببه وشرطه. والثاني: أن عدم الباقي يقل بالنسبة إلى عدم الحادث؛ لأن عدم الحادث يصدق على ما لا نهاية له، وأما عدم الباقي مشروط فمتناه؛ لأن عدم الباقي مشروط بوجود الباقي, والباقي متناه، وإذا كان عدم الباقي أقل من عدم الحادث كان وجوده أكثر من وجوده فيكون راجحا. "فرع" مذكور في المحصول هنا لتعلقه بالاستصحاب، وهو أن نافي الحكم هو عليه دليل أم لا, فقال بعضهم: هو مطالب به، واختاره ابن الحاجب, وقيل: لا وقيل: إن كان في العقليات فهو مطالب، وإن كان في الشرعيات فلا. وفصل الإمام فقال: إن أرادوا بقولهم: لا دليل عليه، هو أن العلم بذلك العدم الأصلي يوجب ظن دوامه في المستقبل، فهذا حق، وإن أرادوا به غيره فهو باطل؛ لأن العلم بالنفي أو الظن لا يحصل إلا بمؤثر، وللآمدي تفصيل يطول ذكره. قال: "الثالث: الاستقراء، مثاله الوتر يؤدى على الراحلة فلا يكون واجبا لاستقراء الواجبات، وهو يفيد الظن، والعمل به لازم، لقوله -عليه الصلاة والسلام: "نحن نحكم بالظاهر" 1.
أقول: قد تقدم الكلام على لفظ الاستقراء في الكلام على التكليف بالمحال،