الآية الثانية فلتنزيهه تعالى عن الانتفاع به، وأجاب المصنف بأن استعمال اللام في غير النفع مجاز، لاتفاق أئمة اللغة على أن اللام موضوعة للملك، ومعنى للملك هو الاختصاص النافع لا حقيقته المعروفة، وإلا يصح قولهم: الجل للفرس، فيلزم منه أن تكون اللام حقيقة في الاختصاص النافع، وحينئذ فيكون استعمالها في غيره مجازا؛ لأنه خير من الاشتراك، ولقائل أن يقول: هذا ينافي ما ذكره في القياس، من كون اللام حقيقة في التعليل، وأيضا فإن أهل اللغة يخصونها بالملك ولا بالاختصاص النافع، بل قالوا: إنها للملك وما يشبه الملك وهو الاختصاص، ولم يقيدوا الاختصاص بكونه نافعا، وأما قولهم: الجل للفرس فهو إنما يدل على صحة استعمالها فيه، لا على نفي استعمالها في الاختصاص الذي لا ينفع، فإنه يحتمل أن تكون موضوعة لمطلق الاختصاص، ودعواه أولى لما فيه من عدم الاشتراك والمجاز. الاعتراض الثاني: سلمنا أن اللام للاختصاص النافع، ولكن ذلك الاختصاص الذي أفادته ليس بعام بل هو مطلق، والمطلق يصدق بصورة، وتلك الصورة حاصلة هنا، فإن الاستدلال بالمخلوقات على وجود الصانع نفع عظيم، وأجاب المصنف بأن الاستدلال على الصانع حاصل لكل عاقل من نفسه، فإنه يصح أن يستدل من نفسه على خالقه، فينبغي حمل الانتفاع الوارد في الآيات على غير الاستدلال تكثيرا للفائدة، وفرارا من تحصيل الحاصل. قال: "الثاني: الاستصحاب حجة خلافا للحنفية والمتكلمين، لنا أن ما ثبت ولم يظهر زواله ظن بقاؤه، ولولا ذلك لما تقررت المعجزة لتوقفها على استمرار العادة ولم تثبت الأحكام الثابتة في عبده -عليه الصلاة والسلام- لجواز النسخ ولكان الشك في الطلاق كالشك في النكاح, ولأن الباقي يستغني عن سبب أو شرط جديد، بل يكفيه دوامهما دون الحادث, ونقل عدمه، الصدق عدم الحادث على ما لا نهاية له فيكون راجحا".
أقول: الدليل الثاني من الأدلة المقبولة: استصحاب الحال, وهو عبارة عن الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على ثبوته في الزمان الأول, والسين فيه للطلب على القاعدة, ومعناه أن المناظر يطلب الآن صحة ما مضى كاستدلال الشافعية على أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء بأن ذلك الشخص كان على الوضوء قبل خروجه إجماعا, فيبقى على ما كان عليه وهو حجة عند الإمام والآمدي وأتباعهما خلافا لجمهور الحنفية والمتكلمين. قوله: "لنا" أي: الدليل على أنه حجة وجهان أحدهما: أن ما ثبت في الزمان الأول من وجود أمر أو عدمه ولم يظهر زواله لا قطعا ولا ظنا, فإنه يلزم بالضرورة أن يحصل الظن ببقائه كما كان والعمل بالظن واجب, قال المصنف: ولولا ذلك أي: ولولا أن ما ثبت في الزمان الأول على وجه المذكور يكون مظنون البقاء في الزمان الثاني لكان يلزم منه ثلاثة أمور باطلة بالاتفاق, أحدها: أن لا تقرر معجزة أصلا؛ لأن المعجزة أمر خارق للعادة متوقف على استمرار العادة فإنه لو