إن اتحدا في العلة كما في المثال الأول فيكون قياس الفرع الثاني إنما هو الأصل الأول, دون الأصل الثاني، وحينئذ فيكون ذكر الأصل الثاني لغوا، وإن اختلفا في العلة كما في المثال الثاني لزم أن لا ينعقد القياس الثاني؛ لأنه علة ثبوت الحكم في الفرع الأول الذي هو أصل للقياس الثاني وهو الوصف الجامع بين الأول وفرعه وهي غير موجودة في الفرع الثاني، وأيضا فالحكم في الفرع المتنازع فيه أولا وهو فسخ النكاح بالجذام إنما يثبت بما يثبت به حكم أصله، فإذا كان حكم أصله وهو الرتق ثابتا بعلة أخرى، وهي العلة التي استنبطت من الأصل الآخر, فيمتنع تعدية الحكم بغيرها، وإن جوزنا تعليل الحكم بعلتين مستنبطتين لأن ذلك الغير لم يثبت اعتبار الشارع له، لكون الحكم الثابت معه ثابتا بغيره بالاتفاق، وإذا كان غير معتبر امتنع ترتب الحكم عليه. القسم الثاني: أن يكون مقبولا عند المعترض، ممنوعا عند المستدل بأن القياس باطل، كما قاله الآمدي وابن الحاجب؛ لأن هذا القياس يتضمن اعتراف المستدل بالخطأ في الأصل لوجود العلة فيه مع عدم الحكم، فلا يصح منه بناء الفرع عليه، فإن جعله إلزاما للمعترض، فقال: هذا هو عندك علة للحكم في الأصل، وهو موجود في محل النزاع فيلزمك الاعتراف بحكمه، وإلا فيلزم إبطال المعنى وانتقاضه لتخلف الحكم عنه من غير مانع، ويلزم من إبطال التعليل به امتناع إثبات الحكم به في الأصل، فهو أيضا فاسد؛ لأن الخصم له أن يقول: الحكم في الأصل ليس عندي ثابتا بهذا الوصف، وبتقريره فليس تصويبه في الأصل لتخطئة في الفرع بأولى من العكس, قاله الآمدي. الشرط الثالث: أن لا يكون الدليل الدال على حكم الأصل متناولا للفرع؛ لأنه لو تناوله لكان إثبات الحكم في الفرع بذلك الدليل لا بالقياس، وحينئذ فيضيع القياس. هكذا علله المصنف تبعا للحاصل، وعلله الإمام والآمدي بأنه لو تناوله لم يكن جعل أحدهما أصلا والآخر فرعا بأولى من العكس. الشرط الرابع: أن يكون حكم الأصل معللا بعلة معينة غير مبهمة؛ لأن إلحاق الفرع بالأصل لأجل وجود العلة يستدعي العلم بحصول العلة، والعلم بحصول العلة يتوقف على تعليل حكم الأصل، وعن تعيين علته. الشرط الخامس: أن يكون حكم الأصل غير حكم الفرع إذا لم يكن لحكم الفرع دليل سوى القياس؛ لأنه لو كان كذلك لكان يلزم أن يكون حكم الفرع قبل مشروعية الأصل حاصلا من غير دليل وهو تكليف ما لا يطاق، اللهم إلا أن يذكر ذلك بطريق الإلزام للخصم لا بطريق إنشاء الحكم فإنه يقبل، كما قاله الآمدي وابن الحاجب. أما إذا كان للفرع دليل آخر غير القياس فإنه لا يشترط تقدم حكم الأصل عليه؛ لأن حكم الفرع قبل حكم الأصل يكون ثابتا بذلك الدليل، وبعده يكون ثابتا به وبالقياس، وغاية ما يلزم أن تتوارد أدلة على مدلول واحد وهو غير ممتنع، ومثاله قياس الشافعي إيجاب النية في الوضوء على إيجابها في التيمم، فإن التيمم متأخر عن الوضوء، إذ مشروعيته بعد الهجرة ومشروعية الوضوء