"الفصل الثاني: في الأصل والفرع، أما الأصل فشرطه ثبوت الحكم فيه بدليل غير القياس؛ لأنهما إن اتحدا في العلة فالقياس على الأصل الأول، وإن اختلفا لم ينعقد الثاني، وإن لم يتناول دليل الأصل الفرع وإلا لضاع القياس، وأن يكون حكم الأصل معللا بوصف معين وغير متأخر عن حكم الفرع، وإذ لم يكن لحكم الفرع دليل سواه". أقول: لما فرغ من الكلام على العلة التي هي أحد أركان القياس, شرع في الكلام على الركنين الباقيين، وهما الأصل والفرع، فأما الأصل فذكر له خمسة شروط, الأول: ثبوت حكمه وهو واضح، الثاني: أن يكون ذلك الحكم ثابتا بدليل من الكتاب أو السنة أو اتفاق الأمة، فإن كان متفقا عليه بينهما فقط، ويعبر عنه بالقياس المركب, ففي صحة القياس عليه مذهبان حكاهما في الأحكام واختار ابن الحاجب أنه لا يصح، قال: ومحله عند اختلافهما في العلة أو في وصف الحكم المستدل عليه هل له وجود في الأصل أم لا؟ فلو سلم الخصم أنها العلة وأنها موجودة، أو أثبت المستدل أنها موجودة انتهض الدليل على الخصم، وإن كان مذهبا لأحدهما فقط فهو على قسمين أحدهما: أن يكون مذهبا للمستدل دون المعترض, وذلك بأن يكون المستدل قد أثبت حكمه بالقياس على شيء، فإن كان كذلك فإنه لا يصح القياس عليه عند الجمهور خلافا للحنابلة وأبي عبد الله البصري، وإليه أشار بقوله: بدليل غير القياس، مثاله قول القائل: السفرجل مطعوم، فيكون ربويا بالقياس على التفاح، ثم يقيس التحرير في التفاح عند توجه منعه على البر بجامع الطعم أيضا، وكذلك قول القائل: الجذام عيب يفسخ به البيع، فيفسخ به النكاح قياسا على الرتق، وهو استداد محل الجماع، والجامع هو الفسخ بالعيب، ثم يقاس الرتق عند توجه منعه على الجب بجامع فوات الاستمتاع، وإنما قلنا: لا يجوز لأن القياسين