مطلقا مذاهب, ثالثها: أنه يجب في الصورة المستثناة دون غيرها، واختار أنه لا يجب مطلقا. قال: "وجوابه منع العلة لعدم قيد، وليس الدليل على وجوده؛ لأنه نقل، ولو قال: ما دللت به على وجوده هنا دل عليه ثمة، فهو نقل إلى نقض الدليل، أو دعوى الحكم مثل أن يقول: السلم: عقد معاوضة فلا يشترط فيه التأجيل كالبيع، فينتقض بالإجارة، قلنا: هناك لاستقرار المعقود عليه، لا لصحة العقد ولو تقديرا، كقولنا: رق الأم علة رق الولد، ويثبت في ولد المغرور تقديرا, وإلا لم تجب قيمته أو إظهار المانع".
أقول: لما تقدم أن النقض عبارة عن إبداء الوصف بدون الحكم, وأنه إنما يقدح إذا تخلف لغير مانع لزم أو يكون جوابه بأحد أمور ثلاثة, وهو إما منع وجود العلة في صورة النقض أو دعوى وجود الحكم فيها أو إظهار المانع؛ فلذلك أردفه المصنف به وأهمله رابعا, وهو بيان كونه واردا على سبيل الاستثناء. الأول من الأمور الثلاثة: منع وجود العلة في صورة النقض لعدم قيد من القيود المعتبرة في علية الوصف, مثاله ما قاله المصنف في أول هذه المسألة وهو أن يقول الشافعي فيمن لم يبيت النية في رمضان: يعرى أول صومه عنها, فلا يصح فينقضه الحنفي بالتطوع فيجيبه الشافعي: أن العلة في البطلان هو عراء أول الصوم بقيد كونه واجبا لا مطلق الصوم, وهذا القيد مفقود في التطوع فلم توجد العلة فيه, ثم إذا منع المعلل وجود العلة في صورة النقض لعدم القيد كما فرضنا, فهل للمعترض أن يقيم الدليل على وجود الوصف بتمامه في صورة النقض؟ فيه مذاهب حكاها ابن الحاجب من غير ترجيح أحدها, وبه جزم الإمام والمصنف أنه ليس له ذلك لأنه نقل من مرتبة المنع إلى مرتبة الاستدلال وعلله الإمام بأنه نقل من مسألة إلى مسألة, يعني أن الانتقال إلى وجود العلة في صورة النقض انتقال من مسألة إلى أخرى في غير التي كانا فيها وكلام المصنف يحتمل الأمرين, والثاني: له ذلك مطلقا: لأن النقض مركب من مقدمتين, إحداهما إثبات العلة, والثانية تخلف الحكم وإثبات مقدمة من مقدمات المطلوب ليس نقلا من بحث إلى آخر, والثالث وهو رأي الآمدي: أنه إن تعين ذلك طريقا للمعترض في دفع كلام المستدل وجب قبوله, وإن أمكنه القدح بطريق آخر هو أفضى إلى المقصود. قوله: "ولو قال ... إلخ" يعني: إذا منع المعلل وجود العلة في محل النقض ولم يمكن المعترض من إقامة الدليل على وجودها كما بينا, وكان المعلل قد استدل على وجود العلة في محل التعليل بدليل موجود في محل النقض كما ستعرفه, فتمسك به المعترض فقال: ما ذكرت من الدليل على وجود العلة في محل التعليل فهو بعينه يدل على وجودها في محل النقض, فجزم الآمدي بأنه لا يكون مسموعا أيضا قال: لكونه انتقالا من نقض العلة إلى نقض دليلها, وذكر ابن الحاجب مثله أيضا ثم قال: وفيه نظر وظاهر كلام المحصول أو صريحه يدل على أنه مقبول, وكلام المصنف محتمل الأمرين وهو إلى عدم القبول أقرب, ومثال ذلك أن يقول الحنفي: من نوى صوم رمضان قبل الزوال فصومه صحيح، قياسا على من نوى