إذ الأصل عدم التقييد, واستدل الخصم بأنه لو لم يشترط لم يصح رجوع بعضهم لاستلزام الرجوع مخالفة الإجماع, لكن الرجوع ثابت فإن عليا وافق الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- في منع بيع المستولدة, ثم رجع عنه, فإن قال: كان رأيي ورأي عمر أن لا يبعن, وقد رأيت الآن بيعهن فقال عبيدة السلماني: رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك، وأجاب المصنف بالمنع أي: لا نسلم ثبوت الرجوع، أو معناه: لا نسلم ثبوت الإجماع قبل الرجوع، وهو الذي ذكره في المحصول. قال: لأن كلام علي وعبيدة إنما يدل على اتفاق جماعة لا على أنه قول كل الأمة, ويؤيده أن جماعة من الصحابة قالوا بالجواز أيضا, كما بيناه في اتفاق العصر الأول. المسألة الرابعة: ذهب الإمام والآمدي وأتباعهما كابن الحاجب إلى أن الإجماع المنقول بطريق الآحاد حجة؛ لأن الإجماع دليل يجب العمل به فلا يشترط التواتر في نقله قياسا على السنة, وذهب الأكثرون كما قال الإمام إلى أنه ليس بحجة. قال الآمدي: والخلاف على أن دليل أصل الإجماع, هل هو مقطوع به أو مظنون؟ المسألة الخامسة: إذا عارض الإجماع نص من الكتاب أو السنة, فإن كان أحدهما قابلا للتأويل بوجه ما أول القابل له سواء كان هو الإجماع أو النص جمعا بين الدليلين, وإن لم يكن أحدهما قابلا للتأويل تساقطا؛ لأن العمل بهما غير ممكن والعمل بأحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح، وهذا كله إذا كانا ظنين. فإنا كانا قطعيين أو كان أحدهما قطعيا والآخر ظنيا, فلا تعارض كما ستعرفه في القياس. "فروع" حكاها في المحصول أحدها: إذ استدل أهل العصر بدليل أو ذكروا للحديث تأويلا فذكر أهل العصر الثاني دليلا آخر أو تأويلا آخر من غير قدح في الأول جاز على الصحيح، ونقله ابن الحاجب عن الأكثرين لأن الناس لم يزالوا على ذلك في كل عصر من غير إنكار، فكان ذلك إجماعا وقيل: لا؛ لأن الدليل الثاني والتأويل الثاني غير سبيل المؤمنين. الثاني: إجماع الصحابة مع مخالفة من أدركهم من التابعين ليس بحجة خلافا لبعضهم؛ لأن الصحابة رجعوا إليهم في وقائع كثيرة, فدل على اعتبار قولهم معهم. قال ابن الحاجب: فإن نشأ التابعي بعد إجماعهم, ففي اعتبار موافقته خلاف مبني على انقراض العصر. "الثالث: المبتدع" إن كفرناه فلا عتبار بقوله, لكن لا يجوز التمسك باجتماعنا على كفره في تلك المسائل؛ لأنه إنما ثبت خروجهم عن الإجماع بعد ثبوت كفرهم, فلو أثبتنا كفرهم فيها بإجماعنا للزم الدور، وإن لم نكفره اعتبرنا قوله؛ لأنه من المؤمنين. وحكى ابن الحاجب قولا ثانيا أنه لا يعتبر لفسقه، وثالثا: أن قوله معتبر في حق نفسه لا في حق غيره, بمعنى أنه يجوز له مخالفا الإجماع المنعقد دونه، ولا يجوز لغيره ذلك. الرابع: ارتداد الأمة ممتنع للأدلة على عصمتهم. وقال قوم: لا يمتنع؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك لم يكونوا مؤمنين, فلا يكون سبيلهم سبيل المؤمنين. وأجاب ابن الحاجب بأنه يصدق أن الأمة ارتدت. الخامس: جاحد الحكم المجمع عليه لا يكفر خلافا