قال: "الباب الثاني: في أنواع الإجماع وفيه مسائل: الأولى: إذا اختلفوا على قولين فهل لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟ والحق أن الثالث إن لم يرفع مجمعا عليه جاز وإلا فلا, مثاله ما قيل في الجد مع الأخ: الميراث للجد وقيل: لهما فلا سبيل إلى حرمانه قيل: اتفقوا على عدم الثالث. قلنا: كان مشروطا بقدمه فزال بزواله قيل: وارد على الوجداني قلنا: لم يعتبر فيه إجماعا قبل إظهاره يستلزم تخطئة الأولين. وأجيب بأن المحذور هو التخطئة في واحد وفيه نظر". أقول: إذا تكلم المجتهدون جميعهم في مسألة واختلفوا فيها على قولين فهل لمن يأتي بعدهم من المجتهدين إحداث قول ثالث في تلك المسألة؟ فيه ثلاثة مذاهب كما أشار إليه المصنف, فالأكثرون على ما قاله الإمام, والآمدي منعه مطلقا, وجزم به في المعالم وأهل الظاهر جوزوه مطلقا, والحق عند الإمام وأتباعه, واختاره الآمدي وابن الحاجب أن الثالث إن لم يرفع شيئا مما أجمع عليه القائلان الأولان، وجاز "أحدثه" لأنه لا محذور فيه وإن رفعه, فلا يجوز لامتناع مخالفة الإجماع. مثال الأول: اختلافهم في جواز أكل المذبوح بلا تسمية فقال بعضهم: يحل مطلقا سواء كان الترك عمدا أو سهوا, وقال بعضهم: لا يحل مطلقا, فالتفصيل بين العمد والسهو ليس رافعا لشيء, وأجمع عليه القائلان الأولان بل هو موافق كل قسم منه لقائل، وأما الثاني فمثل له المصنف تبعا للإمام بالجد مع الإخوة فإن الأئمة اختلفوا فيه فقال بعضهم: المال كله للجد، وقال بعضهم: المال بينهما, فقد اتفق القولان على أن للجد شيئا من المال, فالقول بحرمانه وإعطاء المال كله للأخ قول ثالث رافع لما أجمع عليه الأولان فلا