يتواتر كل واحد منهما, لكن القدر المشترك بينهما وهو عصمة الأمة متواتر لوجوده في هذه الأخبار الكثيرة. وهذا الدليل ساقط في كثير من النسخ، وادعى الآمدي أنه أقرب الطرق في إثبات كونه حجة قاطعة، وقال ابن الحاجب: الاستدلال به حسن, وضعفه الإمام فقال: دعوى التواتر المعنوي بعيد؛ لأنا لا نسلم أن مجموع هذه الأخبار بلغ حد التواتر فما الدليل عليه؟ وبتقديره فهو إنما يفيد الظهور؛ لأن القدر المشترك الثابت بالقطع إنما هو الثناء على الأمة, ولم يلزم منه امتناع الخطأ عليهم, فإن التصريح بامتناعه لم يرد في كل الأحاديث، وقد تلخص أن الأدلة التي قالها المصنف إنما يحسن الاستدلال بها إذا قلنا: إن الإجماع ظني كما صححه الإمام وأتباعه، واقتضاه كلام الآمدي, ولكن الأكثرون على أنه قطعي. قوله: "والشيعة عوَّلوا عليه" يعني: أن الشيعة ذهبوا إلى أنه يجب أن يكون في كل زمان إمام يأمر الناس بالطاعات ويردعهم عن المعاصي, وذلك الإمام لا بد أن يكون معصوما وإلا لافتقر إلى إمام آخر ولزم التسلسل، وإذا كان الإمام معصوما كان الإجماع حجة لاشتماله على قوله؛ لأنه رأس الأمة ورئيسها لا لكونه إجماعا, وجوابه: أن ذلك مبني على وجوب مراعاة المصالح سلمنا لكن الردع إنما يحصل بنصب إمام ظاهر قاهر, وهم يجوزون أن يكون خفيا خاملا ويجوزون عليه الكذب أيضا خوفا وتقية, وذلك كله ينافي المطلوب وهذه المسألة محلها علم الكلام؛ فلذلك لم يشتغل المصنف بالجواب عنها. قال: "الثالثة: قال مالك -رضي الله عنه: إجماع أهل المدينة حجة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام: "إن المدينة لتنفي خبثها" 1 وهو ضعيف. الرابعة: قال الشيعة: إجماع العترة حجة لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 32] وهم: علي وفاطمة وابناهما رضوان الله عليهم؛ لأنها لما نزلت لف عليه الصلاة والسلام عليهم كساء وقال: "هؤلاء أهل بيتي" 2 ولقوله -عليه الصلاة والسلام: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله, وعترتي" 3. أقول: ذهب الإمام مالك إلى أن إجماع أهل المدينة حجة أي: إذا كانوا من الصحابة أو التابعين دون غيرهم, كما نبه عليه ابن الحاجب، قال: واختلفوا في المراد من كونه حجة؛ فمنهم من قال: المراد أن روايتهم راجحة على رواية غيرهم؛ لكونهم أخبر بأحوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومنهم من قال: المراد أن إجماعهم حجة في المنقولات المشتهرة خاصة، كالأذان والإقامة والصاع والمدّ دون غيرها، ورجحه القرافي في تنقيحه قال: والصحيح التعميم في هذا وفي غيره؛ لأن العادة تقضي بأن