ككون" الشرعيات كحله البيع، واللغويات ككون الفاء للتعقيب، وللعقليات كحدوث العالم وللدنيويات كالآراء والحروب وتدبير أمور الرعية. فالأولان لا نزاع فيهما، وأما الثالث فنازع فيه إمام الحرمين في البرهان فقال: ولا أثر للإجماع في العقليات, فإن المتبع فيها الأدلة القاطعة, فإذا انتصبت لم يعارضها شقاق ولم يعضدها وفاق, والمعروف الأول وبه جزم الإمام والآمدي. وأما الرابع ففيه مذهبان شهيران أصحهما عند الإمام والآمدي وأتباعهما كابن الحاجب: وجوب العمل فيه بالإجماع, ولقصد شمول الأربعة أردف المصنف الأمر بالأمور, فإن الأمر المجموع على الأوامر مختص بالقول بخلاف المجموع على الأمور, وذا وإن كان مجازا في الحد لكنه جائز عند فهم المراد كما نص عليه الغزالي في مقدمة المستصفى وهذا الحد فيه نظر من وجوه أحدها: ما أورده الآمدي وابن الحاجب وهو عدم تقييده بكون أهل الحل والعقد من عصر واحد ولا بد منه. الثاني: أن هذا الحد منطبق على اتفاق الأمة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدونه مع أنه قد تقدم من كلام المصنف في النسخ في الكلام على أن الإجماع لا ينسخ, ولا ينسخ به أن الإجماع لا ينعقد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه إن لم يوافقهم لم ينعقد؛ لكونه بعض الأمة وإن وافقهم كان قوله هو الحجة لاستقلاله بإفادة الحكم. نعم الصواب انعقاد الإجماع في الصورة التي ذكرناها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد شهد لأمته بالعصمة كما سيأتي في الأدلة, بل لو شهد بذلك الواحد من أمته لكان قوله وحده حجة قطعا ولم يتعرض الآمدي ولا ابن الحاجب لهذه المسألة. الثالث: المحدود إنما هو الإجماع الاصطلاحي المتناول لقول المجتهد الواحد, إذا لم يكن في العصر غيره, فإن الإمام وأتباعه صرحوا بكونه حجة وتعبير المصنف بالاتفاق ينفيه, فإن الاتفاق إنما يكون من اثنين فصاعدا. نعم حكى الآمدي وابن الحاجب في الاحتجاج به قولين من غير ترجيح, وإذا قلنا بالأول فتغير اجتهاده, ففي الأخذ بالثاني نظر يحتاج إلى تأمل وكذلك لو حدث مجتهد آخر وأداه اجتهاده إلى خلافه. واعلم أن البحث في الإجماع يقع في ثلاثة أمور في: حجيته وأنواعه وشرائطه, فلذلك جعل المصنف هذا الكتاب مشتملا على ثلاثة أبواب لبيان الأمور الثلاثة, وبدأ بالكلام على كونه حجة لكن الاحتجاج به متوقف على بيان إمكانه وإمكان الاطلاع عليه, فلذلك قدم الكلام فيهما, فقوله: قيل محال ... إلخ يعني أن بعضهم ذهب إلى أن الإجماع محال؛ لأن اجتماع الجم الغفير والخلق الكثير على حكم واحد مع اختلاف قرائحهم, يمتنع عادة كما يمتنع اجتماعهم في وقت واحد على مأكول واحد, وجوابه أن دواعي الناس مختلفة ثمة أي: في المأكول لاختلافهم في الشهوة والمزاج والطبع؛ فلذلك يمتنع اجتماعهم عليه بخلاف الحكم, فإنه تابع للدليل فلا يمتنع اجتماعهم عليه لوجود دليل قاطع أو ظاهر. قوله: "وقيل: يتعذر" أي: ذهب بعضهم إلى أن الإجماع ليس محالا, ولكنه يتعذر الوقوف عليه؛ لأن الوقوف عليه إنما يمكن بعد معرفة أعيانهم, ومعرفة ما غلب على