قال: "الكتاب الثالث: في الإجماع, وهو اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على أمر من الأمور، وفيه ثلاثة أبواب: الباب الأول: في بيان كونه حجة, وفيه مسائل: الأولى: قيل: محال كاجتماع الناس في وقت واحد على مأكول واحد, وأجيب بأن الدواعي مختلفة ثمة، وقيل: يتعذر عليه لانتشارهم, وجواز خفاء واحد منهم وخموله وكذبه خوفا، أو رجوعه قبل فتوى الآخر. وأجيب بأنه لا يتعذر في أيام الصحابة, فإنهم كانوا محصورين قليلين". أقول: الإجماع يطلق في اللغة على العزم, قال الله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس:71] أي: أعزموا وعلى الاتفاق يقال: أجمعوا على كذا أي: اتفقوا عليه, مأخوذا مما حكاه أبو علي الفارسي في الإيضاح أنه يقال: أجمعوا بمعنى صاروا إذا جمع كقولهم: أبقل المكان وأثمر أي: صار ذا بقل وثمر, وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف، وهو اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور. فقوله: اتفاق جنس والمراد به الاشتراك في الاعتقاد والقول أو الفعل أو ما في معناهما من التقرير والسكوت عند من يقول: إن ذلك كافٍ في الإجماع. وقوله: أهل الحل والعقد أي: المجتهدين, فخرج بذلك اتفاق العوام واتفاق بعض المجتهدين, فإنه ليس بإجماع. وقوله: من أمة محمد, احترز به عن اتفاق المجتهدين من الأمم السالفة فإنه ليس بإجماع أيضا كما اقتضاه كلام الإمام وصرح به الآمدي هنا ونقله في اللمع عن الأكثرين. وذهب أبو إسحاق الإسفرائيني وجماعة إلى أن إجماعهم قبل نسخ ملتهم حجة, وحكى الآمدي هذا الخلاف في آخر الإجماع، واختار التوقف، وقوله: على أمر من الأمور, شامل الشرعيات كحل البيع "واللغويات