عليه أن المروءة ليست وصفا معتبرا في العدالة بل في قبول الشهادة والرواية. فإن العدالة ضد الفسق. قوله: "فلا تقبل" يعني أنه لما تقرر أن عدالة الراوي شرط فلا تقبل رواية من أقدم على الفسق عالما بكونه فسقا للإجماع، ولقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الآية, فإن كان الفاسق قد جهل أن ما أتى به فسق, نفى قبول قوله. مذهبان حكاهما ابن الحاجب من غير ترجيح والتفسيق بالشيء مع الجهل بكونه فسقا يتصور في المخالفين في الأصول كالخوارج ونفاة الصفات. فإن الجهل في ذلك ليس عذرا، وإلا لزم ذلك في حق اليهود والنصارى, وأما من وطئ أجنبية جاهلا بالحال ونحوه فليس ما نحن فيه, وكذلك من شرب النبيذ مثلا لاعتقاده الإباحة؛ لأنه ليس فاسقا قطعا كما قاله ابن الحاجب, وإن كان بعض الشافعية خالف في قبول قوله, إذا علمت ذلك فأحد المذهبين وهو رأي القاضي، واختاره الآمدي أنه لا يقبل قوله. والثاني: يقبل ونص عليه الشافعي فقال: وأقبل رواية أهل الأهواء الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، واختاره الإمام وأتباعه، قال: إلا أن يكون قد ظهر عناده فلا يقبل قوله؛ لأن العناد كذب، ولم يستدل المصنف على ما اختاره هنا؛ لأن الدليل الذي قدمه في الكافر الموافق وهو رجحان الصدق بعينه دليل في الفاسق, لكن اشتراط العدالة مع قبول الفاسق متنافيان، ولهذا فإن المصنف لما كان من مذهبه قبول رواية الكافر الموافق، لم يشترط الإسلام بل اشترط كونه من أهل القبلة. قوله: "قال القاضي" أي: احتج القاضي على عدم القبول بأن المانع من قبول الفاسق العالم بفسق نفسه إنما هو الفسق, وهو محقق هنا مع زيادة أخرى قبيحة وهي الجهل، وفرق المصنف بأن الإقدام على الفسق مع العلم به يدل على الجراءة وقلة المبالاة بالمعصية، فيغلب على الظن عدم صدقه بخلاف الجاهل. قال ابن الحاجب: ولا يصير الراوي مجروحا بالحد في شهادة الزنا لعدم النصاب ولا بالتدليس على الأصح كقول من لحق الزهري, قال الزهري موهما أنه سمع منه. قوله: "ومن لا تعرف" يعني أن الشخص إذا علمنا بلوغه وإسلامه وجهلنا عدالته فإن روايته لا تقبل, كما نقله الإمام وغيره عن الشافعي، واختاره هو والآمدي وأتباعهما، وقال أبو حنيفة: تقبل, وإلى هذه المسألة أشار المصنف بقوله: ومن لا تعرف عدالته, لكن فيه حذف, فإن الفاسق داخل في هذه العبارة لكونه غير معروف العدالة أيضا، والتقدير: ومن لا تعرف عدالته ولا فسقه وإنما حذفه لتقديم ذكره، ودليلنا أن الفسق مانع من القبول إجماعا, فلا بد من تحقق عدمه أي: تحقق ظن عدمه قياسا على الكفر والصبى والجامع دفع احتمال المفسدة. قوله: "العدالة تعرف بالتزكية" كما تقدم أن من لا تعرف عدالته لا تقبل روايته، وشرع في بيان طريق معرفة العدالة وهو أمران أحدهما: الاختبار والثاني: التزكية، قال في المحصول: والمقصود الآن إنما هو بيان الثاني وهو التزكية؛ فلذلك اقتصر المصنف عليه، وذكر فيه أربع مسائل الأولى: في بيان اشتراط