في علم المنطق؛ ولهذا المعنى عبر المنصف بقوله الأول في تعريفه ولم يقل في حده؛ لأن التعريف يصدق على الرسم فافهمه، وفي التعريف المذكور نظر من وجوه: أحدها: ما أورده الأصفهاني في شرح المحصول وهو أن الكلام صفة حقيقية من صفات الله تعالى والحكم الشرعي ليس من الصفات الحقيقية, بل من الصفات الإضافية كما هو مقرر في علم الكلام, فامتنع أن يكون الحكم عبارة عن الكلام القديم، فبطل قولهم: الحكم خطاب الله تعالى، الثاني: أن الحكم غير الخطاب الموصوف بل هو دليله؛ لأن قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ} [الإسراء: 78] ليس نفس وجوب الصلاة بل هو دال عليه. ألا ترى أنهم يقولون: الأمر المطلق يدل على الجوب، والدال غير المدلول، الثالث من الأحكام الشرعية: ما هو متعلق بفعل مكلف واحد كخصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- والحكم بشهادة خزيمة وحده، وإجزاء الأضحية بالعتاق في حق أبي بردة وحده، وذلك كله خارج عن الحد لتقييده بالمكلفين, فإنه جمع محلى بالألف واللام وأقله ثلاثة إن قلنا: لا يعم فلو عبر بالمكلف لصح حمله على الجنس، وقد يجاب بأن الأفعال والمكلفين متعددان، ومقابلة المتعدد بالمتعدد قد تكون باعتبار الجمع بالجمع، أو الآحاد بالآحاد كقولنا: ركب القوم دوابهم، الرابع: أنه يخرج من هذا الحد كثير من الأحكام الشرعية كالصلاة الصبي وصومه وحجه, فإنها صحيحة ويثاب عليها، والصحة حكم شرعي، ومع ذلك فإنها متعلقة بفعل غير مكلف، الخامس: أورده القشواني في التلخيص فقال: إن هذا الحد يلزم منه الدور, فإن المكلف من تعلق به حكم الشرع ولا يعرف الحكم الشرعي إلا بعد معرفة المكلف؛ لأنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلف، ولا يعرف المكلف إلا بعد معرفة الحكم الشرعي؛ لأنه من يطالب بحكم الشرع، وأجاب الأصفهاني في شرح المحصول بأن المراد بالمكلف البالغ العاقل وهما لا يتوقفان على الخطاب فلا دور, وفيه نظر لأنه عناية بالحد، ولأن المكلف من قام بالتكليف وهو الإلزام، ولأنه قد يبلغ ويعقل ولا يكلف لعدم وصول الحكم إليه. قال:
"قالت المعتزلة: خطاب الله تعالى قديم عندكم، والحكم حادث لأنه يوصف به, ويكون صفة العهد, ومعللا به كقولنا: حلت بالنكاح وحرمت بالطلاق، وأيضا فموجبية الدلوك ومانعية النجاسة وصحة البيع وفساده خارجة عنه، وأيضا فيه الترديد وهو ينافي التحديد" قوله: أوردت المعتزلة على هذا الحد الذي لأصحابنا ثلاثة أسئلة: "أحدها": أن خطاب الله تعالى قديم والحكم حادث وإذا كان أحدهما قديما والآخر حادثا فكيف يصح أن تقولوا: الحكم خطاب الله تعالى؟ فأما قدم الخطاب فلا حاجة إلى دليل عليه؛ لأنكم قائلون به، وذلك لأن خطاب الله تعالى هو كلامه، ومذهبكم أن الكلام قديم، وإلى هذا أشار بقوله: عندكم، وأما حدوث الحكم فالدليل عليه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يوصف بالحدوث كقولنا: حلت المرأة بعدما لم تكن حلالا, فالحل من الأحكام الشرعية وقد وصف بأنه لم يكن وكان, وكل ما لم يكن وكان فهو حادث، وإليه أشار