نسلم بل الأول أيضا مذكور فإنه المراد بقوله دلائل الفقه كما تقدم. "خامسها" أن هذا الحد ليس بمانع، لأن تصور دلائل الفقه إلخ يصدق عليه أنه معرفة بها أي علم لأن العلم ينقسم إلى تصور وتصديق، ومع ذلك ليس من علم الأصول، فإن الأصول هو العلم التصديقي لا التصويري.
وقال: "والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية" أقول لما كان لفظ الفقه جزءا من تعريف أصول الفقه ولا يمكن معرفة شيء إلا بعد معرفة أجزائه احتاج إلى تعريفه، فقوله العلم جنس دخل فيه سائر العلوم، ولقائل أن يقول: لم قال في حد الأصول معرفة وفي حد الفقه علم، وقد استعمل ابن الحاجب لفظ العلم فيهما وابن برهان في الوجيز لفظ المعرفة هنا، وقوله بالأحكام احترز به عن العلم بالذوات والصفات والأفعال، قاله من الحاصل، ووجه ما قاله أن العلم لا بد له من معلوم، وذلك المعلوم إن لم يكن محتاجا إلى محل يقوم به فهو الجوهر كالجسم، وإن احتاج فإن كان سببا للتأثير في غيره فهو الفعل كالضرب والشتم، وإن لم يكن سببا فإن كان نسبة بين الأفعال والذوات فهو الحكم، وإن لم يكن فهو الصفة كالحمرة والسواد، فلما قيد العلم بالحكم كان مخرجا للثلاثة، لكن في إطلاق خروج الصفات إشكال، وذلك أن الحكم الشرعي خطاب الله تعالى، وخطابه تعالى كلامه، وكلامه صفة من جملة الصفات القائمة بذاته، فيلزم من إخراج الصفات إخراج الفقه وهو المقصود بالحد والباء في قوله بالأحكام، يجوز أن تكون متعلقة بمحذوف أي العلم المتعلق بالأحكام، والمراد بتعلق العلم بها التصديق بكيفية تعلقها بأفعال المكلفين، كقولنا المساقاة جائزة لا العلم بتصورها، فإنه من مبادئ أصول الفقه فإن الأصولي لا بد أن يتصور الأحكام كما سيأتي، ولا التصديق بثبوتها في أنفسها، ولا التصديق بتعلقها فإنهما من علم الكلام، فإن قيل: الألف واللام في الأحكام لا جائز أن تكون للعهد لأنه ليس لنا شيء معهود يشار إليه، ولا الجنس لأن أقل جمع الجنس ثلاثة، فيلزم منه أن العامي يسمى فقيها إذا عرف ثلاث مسائل بأدلتها لصدق اسم الفقه عليها وليس كذلك، ولا للعموم لأنه يلزم خروج أكثر المجتهدين لأن مالكا من أكابرهم وقد ثبت أنه سئل عن أربعين مسألة فأجاب في أربع، وقال في ست وثلاثين لا أدري، فالجواب التزام كونها للجنس لأن الحد إنما وضع لحقيقة الفقه، ولا يلزم من إطلاق الفقه على ثلاثة أحكام أن يصدق على العارف بها أنه فقه بكسر القاف أي فهم ولا من فقه بفتحها أي سبق غيره إلى الفهم لما تقرر في علم العربية أن قياسه فاقه وظهر أن الفقيه يدل على الفقه وزيادة كونه سجيه، وهذا أخص من مطلق الفقه ولا يلزم من نفي الأعم، فلا يلزم نفي الفقه عند نفي المشتق الذي هو فقه، وهذا من أحسن الأجوبة، وقد احترز الآمدي عن هذا السؤال فقال الفقه العلم بالجملة غالبة من الأحكام وهو احتراز حسن وقوله الشرعية احتراز عن العلم بالأحكام العقلية