{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْحِكَايَةُ عَنْ الْمَأْمُونِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
فَصْلٌ وَمَا سِوَى [ذَلِكَ مِنْ أَرْبَابِ] الْحِرَفِ الْمَذْكُورَةِ وَالصَّنَائِعِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِي هَذَا، فَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُحْتَسِبِ كَيْفِيَّةُ الْحِسْبَةِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّطَرُّقُ إلَى كَشْفِ تَدْلِيسِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَهْلٌ يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ: مِثْلُ الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَقَّالِينَ [وَبَاعَةِ] الْخَضْرَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِبَيْعِ الْبُقُولِ مَغْسُولَةً مِنْ السِّرْجِينِ، مُنَقَّاةً مِنْ الْحَشِيشِ وَالطَّاقَاتِ الْمُصَفِّرَةِ؛ وَ [يَأْمُرُهُمْ] بِقَطْعِ شَغَفِ أُصُولِ الْخَسِّ وَالْفُجْلِ؛ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ غَسْلِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ الرَّطْبَيْنِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَزِيدُهُمَا زَفْرَةً وَنُتُونَةً؛ وَإِذَا بَاتَ فِي دَكَاكِينِهِمْ (52 أ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلِطُونَهُ بِالطَّرِيِّ الْمَقْطُوعِ فِي الْيَوْمِ. وَيَنْهَاهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] عَنْ بَيْعِ مَا دَوَّدَ مِنْ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالتِّينِ وَالرُّطَبِ، وَمَا قَدْ تَنَاهَى نُضْجُهُ حَتَّى تَهَرَّى قِشْرُهُ مِنْ ذَلِكَ.
[وَ] مِثْلُ الباقلائيين، يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا سَوَّسَ مِنْ الْبَاقِلَّا وَالْحِمَّصِ، وَعَنْ خَلْطِ مَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَمْسِ فِيمَا سَلَقُوهُ الْيَوْمَ؛ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَنْثُرُوا عَلَيْهِ الْمِلْحَ الْمَسْحُوقَ وَالصَّعْتَرَ، لِيَدْفَعَ مَضَارَّهُ؛ وَيَتَفَقَّدُ مَكَايِيلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ قِطْعَةً مِنْ خَشَبٍ يَحْفِرُونَهَا مِكْيَالًا، فَيَكُونُ طُولُهَا شِبْرًا مَثَلًا، وَالْمَحْفُورُ مِنْ دَاخِلِهَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ،