والقضاة والمترفين- فى حجورهم] وبقيت بغداد جزيرة فى وسط الماء، واستدار الماء عليها، ودخل الماء الخندق وكان له هدير عظيم، وغرق ما حول البلد، وخربت أماكن كثيرة منها البازار [1] ، وسائر الترب والبساتين والسواد [2] والجانبين المتقابلين لسوق الخيل والدكاكين والساباط [3] ، وخرب بستان الصاحب جميعه، والمصلى، وبعض الكمش، وسائر البساتين التى حوله، ووصل الماء إلى الثلاث نخلات، ووقعت قبة الجعفرية [4] ، وخربت مدرسة عبيد الله، وغرقت خزانة الكتب التى بها، وكانت فيما قيل تساوى عشرة آلاف دينار، وسطّح الماء وعلا بمقدار عشر قامات، وكان الإنسان إذا وقف لم ير ما امتد بصره إلا ماء وسماء، وفتح فى الرّقّة [5] وخرّب إلى الحارثية، وما ترك طرفه قائمة، وغرق خلق كثير من المزارعين الذين كانوا عند زروعهم ممن لم يحسن السباحة، وغرقت بساتين الرّقّة مثل بستان القاضى، وبستان ابن العفيف، والخاتونى، وبستان جمال الدين الدكروالى، وغرقت بساتين الحارثية، مثل:

بستان الخادم، وابن الأمليس، وسديد الدولة، وبقى الناس فى خلقة ضيّقة، وامتنعوا من النوم ليلا والمعايش نهارا من شدة الزّعقات [6] ، وخوف الغرق، وغلق البلد ستة أيام، والناس ينظرون إلى الخندق والشط هل زاد أو نقص، وتحول كثير من الناس إلى المحال العالية مثل تل الزينية، وتل اللوازه بالمستضيئيّة، وأسكرت سائر أبواب المحال العالية ببغداد، وأبواب الخانات بها، وسد باب خان السلسلة، وبقى إذا انفتح من الخندق فتح تداركه الناس بالسد، والناس يدورون فى الأسواق مكشوفى الرءوس، والرقعات الشريفة على رءوسهم، وهم يضجّون بالبكاء ويخرّون إلى الله تعالى، ويسألونه كشف هذه الحادثة عنهم، وودّع بعض الناس بعضا، ولو انخرق إليهم من الخندق أدنى شىء لغرقوا، وزاد الماء فى الخندق حتى ركب القنطرة الجديدة بسوق الخيل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015