وفى المحرم من هذه السنة جهزت الشوانى [2] من مصر إلى جزيرة أرواد وهى جزيرة تقابل مدينة انطرسوس، وكان قد اجتمع بها جمع كثير من الفرنج وسكنوها وأحاطوا بها سورا وحصنوها، وبقيت مضرّة على أهل ساحل طرابلس فجهّزت الشّوانى لقصدها صحبة الأمير سيف الدين كهرداش الناصرى، وجرّد من كل أمير جندى، ورسم لكل أمير أن يجهز جنديّة بما يحتاج إليه، فكان ممن جهّز من أصحابه الأمير جمال الدين آقش العلائى فامتنع من تجهيز جنديّة، فشكاه الجندى إلى الأمير سيف الدين سلّار نائب السلطنة، فأرسل إليه نقيبا يأمره بتجهيزه، فشتم الجندىّ وضربه، فعاد إلى نائب السلطنة وأخبره، فغضب وطلب آقش وألزمه بالسّفر عوضا عن الجندىّ، فتوجه وسلّم إليه شانى وركب فيه، ولعبت الشوانى فانقلب الشينى الذى فيه آقش فغرق، ومرّ الشانى على الصنّاعة وهو مقلوب؛ فتطيّر الناس بذلك وظنّوا أن هذه الشوانى لا تفتح شيئا، فقال بعض أهل [3] الدين والخير: هذا أوّل الفتح بغرق آقش، وكان آقش هذا ظالما عسوفا قبيح السيرة، فكان ذلك أوّل الفتوح كما قال، وأصلح الشانى وتوجّهت الشّوانى إلى الجزيرة، وجهّز الأمير سيف الدين أسندمر الكرجى نائب السلطنة بالفتوحات مركبا فيه جماعة من الجند، وتوجّه هو بالعسكر الطرابلسىّ. ونزل قبالة الجزيرة بالبر الشرقى، وتوجهت الشوانى بالعسكر إليها، ففتحت فى يوم الأربعاء ثانى صفر، وقتل من كان بها من الفرنج، وأسر من بقى، وكان القتلى نحو ألفين، والأسرى نحو خمسمائة، وغنم العسكر جميع ما بالجزيرة، وجهّزت الأسرى إلى الأبواب السلطانية صحبة الأمير فلان الدين فلان الإبراهيمى [4] من أمراء طرابلس، فوصلوا إلى دمشق فى يوم الإثنين حادى عشرين صفر، وفرق بعضهم فى القلاع بالشام.