وسمعوها بقراءتي عليه. وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبأيدي الجماعة قريب من إثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري. ووقع منه الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة. وقال لي: لم أر بعد بن دقيق العيد أفصح من قراءتك. ولما وصلت إلى المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي، قال: ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب. فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له. فقال لي: لا تتعب معي. فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيراً، ولا أفاد ولا ظهر لي. وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة، لاعترافه لي في مثل ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك، وقرأت عليه سقط الزند لأبي العلاء المعري، وبعض الحماسة لأبي تمام الطائي، ومقصورة إبن دريد. وسمعت من لفظه كتاب الفصيح لثعلب. وكان يحفظه. وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراآت السبع لإبن بليمة. وسمعت من لفظه خطبة كتاب إرتشاف الضرب من لسان العرب. وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه. وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر، وغيرذلك. وأنشدني من لفظه لنفسه:
سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحب عني نقله
وأجاد السطور في صفحة الخ ... د ولم يجيد وهو ابن مقلة
وأنشد أيضاً في صفات الحروف:
أنا هاو لمستطيل أغن ... كلما اشتد صارت النفس رخوة
أهمس القول وهو يجهر سبى ... وإذا ما انخفضت أظهر علوة
فتح الوصل ثم أطبق هجراً ... بصفير والقلب قلقل شجوه
لان دهراً ثم اغتدى ذا إنحراف ... وفشا السر مذ تكررت نحوه
وأنشدني من لفظة لنفسه:
يقول لي العذول ولم أطعه ... تسل فقد بدا للحب لحيه
تخيل أنها شانت حبيبي ... وعندي أنها زين وحليه
وأنشدني من لفظه لنفسه:
راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض
وظن قوم أن قلبي سلا ... والأصل لا يعتد بالعارض