وغير ذلك. واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد، ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه لأني لم أره إلا وهو يسمع أو يشغل أو يكتب. ولم أره على غير ذلك. وله إقبال على الطلبة الأذكياء، وعنده تعظيم لهم. وله نظم ونثر. وله الموشحات البديعة. وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لألفاظها. وأما النحو والتصريف، فهو إمام الدنيا في عصره فيهما، لم يذكر معه أحد في أقطار الأرض. وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم، خصوصاً المغاربة. ويقيد أسماؤهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم، لأنهم مجاورو بلاد الفرنج، وأسماؤهم قريبة منهم وألقابهم كذلك. كل ذلك قد جرده وحرره وقيده. والشيخ شمس الدين الذهبي. له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة، وأجابه عنها. وله التصانيف التي سارت وطارت، وانتشرت وما انتثرت، وقرئت ودريت، ونسخت وما نسخت. أخملت كتب الأقدمين، وألهت المقيمين بمصر والقادمين. وقرأ الناس عليه. وصاروا أئمةً وأشياخاً في حياته.

وهو الذي جسر الناس على مصنفات السيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله، ورغبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض بهم لججها، وفتح لهم مقفلها. وكان يقول عن مقدمة بن الحاجب هذه نحو الفقهاء.

والتزم أن لا يقرأ أحداً إلا إن كان في كتاب سيبويه، أو في التسهيل لإبن مالك، أو في تصانيفه.

ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيراً، وأخذ منه كتب الأدب.

وكان شيخاً حسن العمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشرباً بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر فيها، لم تكن كثة.

عبارته فصيحة لغة الأندلس، يعقد القاف قريباً من الكاف، على أنه ينطق بها في القرآن فصيحةً. وسمعته يقول: ليس في هذه البلاد من يعقد حرف القاف.

وكانت له خصوصية الأمير سيف الدين أرغون النائب الناصري، ينبسط معه ويبيت عنده. ولما توفيت إبنته نضار. طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له.

وكان أولاً يرى رأي الظاهرية. ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه. وتولى تدريس التفسير بالقبة النصورية والإقراء بجامع الأقمر. وقرأت عليه الأشعار الستة وكان يحفظها، والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015