واسألني أو أسألك. فقال: أليس قد ثبتت نبوة موسى وصحت دلائله؟ أتقر بهذا أم تجحده؟ فقلت له: سألتني عن نبوة موسى. وهذا على أمرين، أحدهما موسى الذي أخبر عن نبوة محمد وبشر به وأمر بإتباعه. فإن كنت سألتني عن نبوة هذا فأنا أقر به. وهو نبي. والثاني موسى الذي لم يخبر عن نبوة محمد، ولا بشر به ولا أمر بأتباعه، فلا أقر به ولاأعرفه، فإنه شيطان. فتحير اليهودي ثم قال لي: ماتقول في التوراة؟ فقلت: أيضاً هي منقسمة إلى قسمين: توراة فيها ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به والأمر بأتباعه، فهي التوراة الحق المنزلة. وتوراة ليس فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ولا البشارة به، فهي باطلة ولا أصدق بها. فتحير اليهودي وانقطع. ثم قال لي: إني أريد أن أشارك في شئ. فتقدمت إليه، فإذا هو يشتمني ويشتم معلمي وأبوي. فظن أني أرد عليه وأضار به بحضرة الناس، فيقول إنهم قد تغلبوا علي. فقلت للجماعة ما قال وعرفتهم ما أراد. فأخذته الأيدي بالنعال. فخرج هاربا من البصرة.

وقال المسعودي في مروج الذهب: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين. وكان قد كف بصره، وخرف آخر عمره إلا أنه كان لا يذهب عليه شيء من الأصول لكنه. ضعف عن المناظرة ومحاجة المخالفين له.

وقيل ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائتين. وحكى عنه أنه لقى صالح بن عبد القدوس وقد مات له ولد وهو شديد الجزع عليه، فقال أبو الهذيل: لا أرى لجزعك عليه وجهاً، إذ كان الإنسان عندك كالزرع. فقال صالح: يا أبا الهذيل إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك. فقال: وما كتاب الشكوك؟ قال: كتاب وضعته من قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن، ويشك فيما لم يكن حتى كأنه قد كان. فقال له أبو الهذيل: فشك أنت في موته واعمل على أنه لم يمت، وإن كان قد مات. وشك في قراءته الكتاب وأعمل على أنه قرأه، وإن لم يكن قرأه. فأخجله. وقيل إن الذي قال ذلك إبراهيم النظام ابن أخت أبي الهذيل. وهو الصحيح. ولأبي الهذيل: كتاب يعرف بميلاس. وكان ميلاس هذا مجوسيا جمع بين أبي الهذيل وبين جماعة من الثنوية فقطعهم أبو الهذيل. فأسلم فيلاس عند ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015