وما رقد الولدان حتى رأيته ... على البكر يمريه بساق وحافر
فسمى رجل الإنسان: حافراً.
فإن ما جرى هذا المجرى من الاستعارة قبيح لا عذر فيه.
وقد استعمل كثير من الشعراء الفحول المجيدين أشياء من الاستعارة ليس فيها شناعة كهذه، وفيها لهم معاذير، إذ كان مخرجها مخرج التشبيه، فمن ذلك قول امرئ القيس يصف الليل:
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
فكأنه أراد: أن هذا الليل في تطاوله كالذي يتمطى بصلبه، لا أن له صلباً، وهذا مخرج لفظه إذا تؤمل، ومنه قول زهير:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرى أفراس الصبا ورواحله
فكأن مخرج كلام زهير إنما هو مخرج كلام من أراد: أنه لما كانت الأفراس للحرب، وإنما تعرى عند تركها ووضعها، فكذلك تعرى أفراس الصبا، إن كانت له أفراس، عند تركه والعزوف عنه. وكذلك قول أوس بن حجر:
وإني امرؤ أعددت للحرب بعدما ... رأيت لها ناباً من الشر أعصلا
فإنه إنما أراد: أن هذه الحرب قديمة قد اشتد أمرها، كما يكون ناب البعير أعصل، إذا طال عمره واشتد.
وكذلك قول عنترة العبسي:
جادت عليه كل بكر حرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
وقل طفيل الغنوي:
وحملت كورى فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل
وقول عمر بن كلثوم:
ألا ابلغ النعمان عني رسالة ... فمجدك حولي ولؤمك قارح
وقول أبي ذؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
وقول أوس بن مغراء يهجو بني عامر:
يشيب على لوم الفعال كبيرها ... ويغذي بثدي اللؤم منها وليدها