نقد الشعر (صفحة 60)

فقد أشار إلى قوتهم وضعف أعدائهم إشارة مستغربة، لها من الموقع بالتمثيل ما لم يكن لو ذكر الشيء المشار إليع بلفظه، ومثل ذلك قول عبد الرحمن بن علي بن علقمة بن عبدة:

أوردتهم وصدور العيس مسنفة ... والصبح بالكوكب الدري منحور

فقد اشار إلى الفجر إشارة بعيدة ظريفة بغير لفظه.

وكذلك قول اللعين المنقري، يصف ناره:

رأى أم نيران عواناً تكفها ... بأعرافها هوج الرياح الطرائد

فقد أومأ بقوله: أم نيران: إلى قدمها، وبعوان: إلى كثرة عادته لإيقادها، إيماء غريباً ظريفاً، وإن كانت العرب تقول ذلك في النار كثيراً.

وقال بعض العرب:

فتى صدمته الكأس حتى كأنما ... به فالج من دائها فهو يرعش

والكأس لا تصدم، ولكنه أشار بهذا التمثيل إشارة حسنة إلى سكره.

وقال العباس بن مرداس:

كانوا أمام المؤمنين دريئة ... والبيض يومئذ عليهم أشمس

يريد أن البيض عليهم قد صارت شموساً.

المطابق والمجانس:

وقد يضع الناس من صفات الشعر: المطابق والمجانس، وهما داخلان في باب ائتلاف اللفظ والمعنى، ومعناهما أن تكون في الشعر معان متغايرة قد اشتركت في لفظة واحدة وألفاظ متجانسة مشتقة.

المطابق:

فأما المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة بعينها، مثل قول زياد الأعجم:

ونبئتهم يستنصرون بكاهل ... وللؤم فيهم كاهل وسنام

وقال الأفوه الأودي:

وأقطع الهوجل مستأنساً ... بهوجل عيرانة عنتريس

فلفظة: الهوجل في هذا الشعر واحدة قد اشتركت في معنيين، لأن الأولى يراد بها الأرض، والثانية الناقة، وكذلك قول أبي دؤاد الإيادي:

عهدت لها منزلاً دائراً ... وآلا على الماء يحملن آلا

فالآل الأول في المعنى غير الثاني، لأن الأول أعمدة الخيام، والثاني من السراب.

المجانس:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015