على الهاجس بحسب ما يسنح من الخاطر، مثل الأعراب ومن جرى مجراهم، على أن أولئك بطباعهم قد أتوا بكثير منه، وقد قدمنا بعضه.
ومما للمحدثين في ذلك، قول بشار:
إذا أيقظتكَ حروبُ العدَى ... فنبهْ لها عمَراً ثمَّ نَمْ
فنبه ونم: تكافؤ، وله أثر في تجويد الشعر قوي، فإنه لو قال مثلا: فجرد لها عمراً، لم يكن لهذه اللفظة من الموقع مع من ما لنبه.
الالتفاف:
ومن نعوت المعاني الالتفاف - وبعض الناس يسميه الاستدراك - وهو ا، يكون الشاعر آخذاً في معنى، فكأنه يعترضه إما شك فيه أو ظن بأن راداً يرد عليه قوله، أو سلائلاً يسأله عن سببه، فيعود راجعاً على ما قدمه، فإما أن يؤكده أو يذكر سببه أو يحل الشك فيه، مثال ذلك قول المعطل، أحد بني رهم من هذيل:
تبينُ صلاةُ الحرب منا ومنهمُ ... إذا ما لتقينا والمسالمُ بادنُ
فقوله: والمسالم بادن: رجوع على المعنى الذي قدمه حين بين ان علامة صلاة الحرب من غيرهم أن المسالم يكون بادناً والمحارب ضامراً، وقول الرماح بن ميادة:
فلا صرمُة يبدُو، وفي اليأسِ راحةٌ ... ولا وصلُه يصفُو لنا فنكارِمُهْ
فكأنه بقوله: وفي اليأس راحة: التفت إلى المعنى، لتقديره أن معارضاً يقول له: وما تصنع بصرمه؟ فقال: لأن في اليأس راحة.
ومن هذا الجنس قول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
وأجمِلْ إذا ما كنتَ لا بُدَّ مانِعاً ... وقد يَمْنَعُ الشيءَ الفتَى وهو مجملُ.
ومنه قول امرئ القيس:
يا هَلْ أتاكَ وقد يُحَدِّثُ ذوُ ... الودِّ القديم مسمةَ الدَّخْل
فكأنه لما قال: أتاك، وكان المعنى مسراً غير مظهر، توهم أن المخاطب يقول له: كيف يبلغني؟ فقال: وقد يحدث ذو الود القديم مسمة الدخل، وقول طرفة: