الهوى، من غير أن يقول: أدنى المهاوي لكانت المقابلة ناقصة، لكن لما قال: تبعد قال: أدنى، ولو لم يقل: تبعد لقنع منه بأن يقول: تهوى فقط، من غير أن يأتي بالدنو.
وللطرماح بن حكيم:
أسرناهمْ وأنعمنَا عليهمْ ... وأسقيْنا دماءهمُ الترابَا
فما صبرُوا لبأسٍ عندَ حربٍ ... ولا أدوْا لحسنِ يدٍ ثوابَا
فجعل بإزاء أن أسقوا دماءهم التراب وقاتلوهم: أن يصبروا، وبإزاء أن أنعموا عليهم: أن يثيبوا، ولآخر:
جَزى الله عنَّا ذاتَ بعلٍ تصدقتْ ... على عزبٍ حتَّى يكونَ له أهلُ
فإنَّا سنجزيَها كما فعلتْ بنَا ... إذا ما تزوجنا وليسَ لها بعلُ
فقد أجاد هذا الشاعر، حيث وضع مقابل أن تكون المرأة ذات بعل، وهو لا زوج له: أن يكون ذا زوج في وقت عزب المرأة، وقابل حاجته وهو عزب: بحاجتها وهي عزبة، من غير أن يغادر شرطاً، ولا أن يزيد شيئاً.
ومن أنواع المعاني
صحة التفسير
وهي أن يضع الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها في شعره الذي يصنعه، فإذا ذكرها أتى بها من غير أن يخالف معنى ما أتى به منها، ولا يزيد أو ينقص، مثل قول الفرزدق:
لقدْ خنتُ قوْماً لو لجأتَ إليهمُ ... طريدَ دمٍ أو حامِلاً ثقلَ مغرمِ
فلما كان هذا البيت محتاجاً إلى تفسير، قال:
لألفيتَ فيهمْ مطعِماً ومطاعِناً ... وراءَك شزْراً بالوشيجِ المقومِ
ففسر قوله: حاملاً ثقل مغرم: بأنه يلقى فيهم من يعطيه، وفسر قوله: طريد دم بقوله: إنه يلقي من يطاعن دونه ويحميه ومثل قول الحسين بن مطير الأسدي:
فلهُ بلا حزنٍ ولا بمسرةٍ ... ضحكٌ يراوحُ بينهُ وبكاءُ
ففسر بلا حزن: ببكاء ولا بمسرة: بضحك، وقال صالح ابن جناح اللخمي:
لئن كنتُ مُحتاجاً إلى الحلمِ إنَّني ... إلى الجهلِ في بعض الأحايينِ أحوجُ