مطلقاً، وللفرس أحوال يمتنع بها من أن ينتصب كل نصبة، ومع ذلك فإن هذا الشاعر إنما وصف الجهات التي يراها الإنسان من الفرس إذا كان على بسيط الأرض، وكان الرجل قائماً أو قاعداً، إذ كانت هذه الحال هي التي يرى الإنسان عليها الخيل في أكثر الأمر، فأما مثل أن يكون الإنسان في علية فيرى من الفرس متنه فقط، أو أن يكون نائماً فيرى بطنه فقط، فما أبعد ما يقع ذلك، ولم يقصده الشاعر ولا له وجه في أن يقصده، إذ كان ليس في ما يعرف ويعهد من النظر إلى الخيل إلا ما ذكره، وهو أن تستقبل أو تستدبر أو تستعرض من أحد الجانبين.
ومثال في هذا الباب أيضاً قول أبي زبيد الطائي:
يا أسمَ صبْراً على ما كَان من حدَث ... إن الحوادثَ ملقىٌّ ومنتظرُ
فليس في الحوادث إلا أن تكون قد لقيت، أو ينتظر لقيها. ومن أنواع المعاني وأجناسها أيضاً
صحة المقابلات
وهي أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض، أو المخالفة، فيأتي في الموافق بما يوافق، وفي المخالف بما يخالف على الصحة، أو يشرط شروطاً، ويعدد أحوالاً في أحد المعنيين، فيجب أن يأتي فيما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدده، وفيما يخالف بأضداد ذلك، كما قال بعضهم:
فواعَجباً كيف اتفقْنا فناصحٌ ... وفيٌّ، ومطويٌّ على الغلّ غادرُ
فقد أتى بإزاء كل ما وصفه من نفسه بما يضاده على الحقيقة ممن عاتبه، حيث قال بإزاء ناصح: مطوى على الغل وبإزاء وفي: غادر.
ومثل قول الآخر:
تقاصرنَ واحلولين لي ثمَّ إنهُ ... أتتْ بعدُ أيامٌ طوالٌ أمرتِ
فقابل القصر والحلاوة: بالطول والمرارة.
ومثله قول الآخر:
وإذا حديثٌ ساءني لم أكتئبْ ... وإذا حديثٌ سرني لم آشرِ
فقد جعل بإزاء سرني: ساءني، وبإزاء الاكتئاب: الأشر، وهذه المعاني في غاية صحة التقابل، ومثل قول عقيل بن حجاج:
تستنُّ في حيثُ لمْ تبعدْ مصعدةً ... ولمْ تصوبْ إلى أدنَى مهاويها
فجعل بإزاء قوله: تبعد مصعدة: أدنى مهاويها، ولو جعل بإزاء الإبعاد في الصعود: