ذلك بصدر يشتمل على افتنانهم في المدح؛ ليكون مثالاً لما تقدم الإخبار عنه، وعبرة في اختيارات المدائح، فمن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
يَطْلُبُ شأَوَ امْرَأَيْنِ قَدَّماً حَسَناً ... نالا المُلُوكَ وبِذَا هذِهِ السُّوقَا
هُوَ الجَوَادُ فَإِنْ يَلْحَقْ بشأوِهِمَا ... عَلَى تكالِيِفِهِ فَمِثْلُهُ لَحِقَا
أوْ يَسْبِقَاهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ مَهَلٍ فَمِثْلُ مَا قَدَّمَا مِنْ صالِحٍ سَبَقَا
ومن هذه القصيدة:
مَنْ يَلْق يَوْماً على علاتِهِ هرِماً ... يلقَ السماحةَ منهُ والندَى خلقَا
ليثٌ بعثرَ يصطادُ الرجالَ إذا ... ما كذبَ الليثُ عن أقرانهِ صدقَا
يطعنهمُ ما ارتموا حتَّى إذا طعنُوا ... ضاربَ حتى إذا ما ضاربُوا اعتنقا
فضل الجوادِ على الخيلِ البطاءِ فلا ... يعطِي بذلك ممنوناً ولا نزقا
هذا وليسَ كمنْ يعيَا بخطبَتِهِ ... وسْط الندىِّ إذا ما ناطقٌ نَطَقا
لو نال حيٌّ من الدنيَا بمكرمَةٍ ... أفقَ السماءِ لنالتْ كفهُ الأفُقا
ومن كلمة أخرى لزهير:
هنالك إن يستخبَلُوا المال يُخْبِلُوا ... وإن يسألُوا يُعْطُوا وإنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا
وفيهمْ مقاماتٌ حسان وجوهها ... وأنديةٌ ينتابُها القَوْلُ والفِعْلُ
وإنْ جئتهمْ ألفيتَ حَوْل بيوتِهِم ... مَجَالِسَ قد يُشْفَى بِأَحْلامِهَا الجَهْلُ
على مُكْثِرِيهمْ حقُّ من يعتريهمُ ... وعندَ المقلينَ السماحَةُ والبَذْلُ
سَعَى بعدهُمْ قومٌ لِكَيْ يدركوهُمْ ... فَلَمْ يدركُوا ولم يُلامُوا ولم يأْلُوا
فَما كانَ من خيْرٍ أتوهُ فإنمَا ... توارثهُ آباءُ آبائِهِمْ قَبْلُ
وهَلْ ينبتُ الخطىَّ إلا وشيجُه ... وتغْرَسُ إلا في منابِتهَا النَّخْلُ
ولزهير يمدح بني الصيداء:
إني سترحَلُ بالْمَطِيِّ قصائِدِي ... حتَّى تَحُلَّ عَلَى بَنِي وَرْقاءِ
مدحاً لهم يتوارثونَ ثناءَهَا ... رَهْنٌ لأخِرِهِمْ بطُولِ بقاءِ
حلماء في النادي إذا ما جئتهم ... جهلاء يوم عجاجة ولقاء
مَنْ سالموا نالَ الكرامَة كُلَّهَا ... أو حارَبُوا ألوَى مع العَنْقَاء